مقالات
تريند

خالد النور يكتب: “زاهر الكندري” .. من يعينني صبرا على رحيله؟

سوداني نت:

عندما اجتاح فيضان النيل جزيرة تنقسي بالولاية الشمالية في العام 1988م، ولعل الله كان يدخر لنا به خيرا قادما، فجلب لنا اخواننا وأهلنا من داخل الجزيرة ليقطنوا الى جوارنا في الشرق (بنقنارتي)، فكان منزل (محمد مدني) الذي يجاورنا جاهز لإحتضان اسرة (التومة بت ودمدني) رحمها الله وشقيقتها (زينوبة)، وبعد ايام ظهر ابنهم من البندر (زاهر عبدالرحمن الكندري) يتفقد امه وخالته واخوانه وأهله وجيرانه في تلك النكبة، وكان زميلنا وقتها شقيقه ياسر في الدراسة.

من هنا بدأت معرفتي اللصيقة به رغم وجود علاقة الرحم، عشنا اياما جميلة في تلك الفترة كان ديدنها التداخل والتواصل والمحبة، الوجبات الجماعية (القراصة في ضل الضحى) والعشاء على (ضوء القمر) وجلسات الونسة على قيزان الرمل، لم افكر يومها وانا ادرس في المتوسطة ان يجمعني مع الراحل عمل او زمالة، اخذ معنا أيام جميلة وسافر الى مكان عمله بالخرطوم، بعدها درسنا الثانوي واتجهنا صوب البندر طلبا للعلم في الجامعات.

عندما جئت الى الخرطوم طالبا للعلم احتضني اليه بحكم علاقة الرحم وود البلد فوجدت العلم والاخوة والصداقة والمدرسة الاعلامية، فمن الصعب ان تجد العلم والخبرة في أن واحد فهذا ماوجدته عند الراحل عند تخرجي من الجامعة.

“زاهر الكندري” .. عندما نعاه الناعي نصب أمامي بطلته البهية وتواضعه المربك وقبوله النادر وتهذيبه الجم وبساطته المحببة وابتسامته الوادعة وضحكته المجلجلة، بريق وجهه يكسو المكان، وحﻻوة لسانه تعطر اﻻجواء، ومﻻمحه تمﻷ الفراغات وعفويته تكسر الحواجز وتواضعه ينهي التحفظ.

اندلقت أمامنا قيم وتسامح ووشائج وسيل من الذكريات والمواقف النبيلة، قصص وحكاوي ومواقف دلقها الكثير من المعزين من أماكن متعددة لانعرفهم لكن يعرفونه جيدا كأهله وزملائه واحبابة، تراءت أمام اعيننا يوم رحيله، فدموع الرجال والنساء تسيل تروي التراب.. فسقطت نخلة سامقة في بلادي .. فمن يعينني صبرآ وجلدآ على رحيله. لاحولا ولاقوة الا بالله..

في أول عمل لي بمنظمة خيرية بالخرطوم واجهتني مشكلة كانت الفاصل في ان استمر او انهي حياتي العملية التي بدأت لتوها فكان المنقذ لي الجبوب (زاهر) .. كان قد تم استيعابي في تلك المنظمة في وظيفة مسؤل الإعلام وانا ادرس بالجامعة الاعلام، وشاءت الظروف ان يكون لديهم مؤتمر بعد اسبوع يتطلب عمل اعلامي كبير ومعارف في الوسط الاعلامي بغرض التغطية وبحكم خبرتي التي كسبتها من الراحل قبلت التحدي، لكن المشكلة التي كانت تواجهني هي عدم وجود معارف لي في الوسط الاعلامي بشكل جيد، فعندما حكيت له طمئنني وتكفل بتنظيم التغطية ودعوة الصحفيين والقنوات والاذاعات، وتمت تغطية المؤتمر بشكل يفوق توقعاتي بل حصلت على إشادة من ادارة المنظمة، فالاشادة اهديها له في قبره فهو يستحقها عن جدارة.

ظل رقمآ صعبآ لايمكن تجاوزه في قضايا الفن وخاصة (الطمبور) الذي ظل عشقه ويعمل على تطويره مع العديد من الفنانين والشعراء، فكانت (نفحات الريف) بصحيفة الوفاق منبرا مفتوحا لاستقبال المبدعين من بلادي وساحة واسعة للابداع، فكم من مبتدي صعد سلم الفن عبر الراحل وصفحته، وفتح لنا صفحة (نفحات الريف) ونحن مبتدئين في دروب مهنة المتاعب، نشخبط وندلق قلمنا الهزيل على صفحته واسعة الإنتشار فهو يصحح ويعدل دون كلل او ممل، صبر علينا حتى نخرج للقراء على يدية، فكان نعم المعلم والاستاذ.

عندما انشاءنا الروابط في الجامعات السودانية في أواخر التسعينيات وبداية الألفية كان الراحل زاهر الكندري هو مرجعنا ودليلنا وحلقة الوصل بيننا والوسط الفني لاحياء الحفلات الطلابية داخل الحرم الجامعي وكانت الروابط وقتها منبرا للفنانين والشعراء وساحة خصبة لنشر تراث مناطقنا، وصعد الكثير منهم من تلك المنابر الى ساحة الفن الواسع وكان كل ذلك بفضل الراحل الذي ربط تلك الراوبط بالساحة الفنية.

ﻻيعرف للخصومة طريق وﻻ للعداوة اتجاه .. يحكم بين الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، يقرب المتفرقين ويصالح المتخاصمين ويلملم أطراف القضايا المتشابكة والاقوال المتناثرة بالود وسمح القول وجميل العبارة، يربط الوشائج ويحل العقد بكل سهولة ويسر.. نوع فريد من اﻹلفة كان يحاط بها الراحل (زاهر) رحمه الله من اﻷهل والزملاء واﻻصدقاء.

اختار لشخصيته مكانة، ورسم لنفسه طريق يعبر به الى قلوب الناس ببساطة وأريحية دون تكلف او كبير عناء .. فكان خبر وفاة مفجع كالصاقعة على روؤس الجميع .. فانكسر (المرق) و(سقطت نخلة سامقة في بلادي) ..

حشد من القيم وكتاب مفتوح من السماحة والنبل قرأناه في عيون الجميع ودموع الرجال والنساء والشباب وحتى الأطفال تنهمر سيﻵ تروي التراب.

فيا أيتها الدموع كفى عنا .. ودعونا ندعو له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه في جنات الخلد مع الصديقين والشهداء.. وﻻنقول اﻻ مايرضي الله انا لله وانا اليه راجعون، وﻻحوﻻ وﻻقوة اﻻ بالله..

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٩)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٨)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!