
لابد من لاهاي وإن عزٌ النصير
سلسلة مقالات
عمر مختار ح النور
إجرآءات الترافع وتقديم البينات أمام محكمة العدل الدولية: الحلقة (3)
الآن وقد قبلت محكمة العدل الدولية دعوى السودان ضد الإمارات وشرعت بالفعل في نظرها، يكون من المناسب أن نستعرض بشيء من التفصيل الخطوات التي ستتبعها المحكمة نحو تحقيق العدالة ورد الحقوق لأصحابه.
تتميز إجرآءات الترافع أمام محكمة العدل الدولية بالدقة والتنظيم والإلتزام الصارم بالقواعد القانونية، وتمر بعدة مراحل أساسية، تبدأ بـ مرحلة تقديم الطلب: حيث يقوم السودان، كدولة مدعية في هذه الحالة، بتقديم طلب خطي رسمي إلى المحكمة، يتضمن تحديداً واضحاً للطرف المدعى عليه في الشكوى (دولة الإمارات)، وبياناً مفصلاً للوقائع والأسانيد القانونية التي تستند إليها الدعوى، وتحديداً دقيقاً للطلبات التي يتقدم بها السودان إلى المحكمة. ثم بعد تأتي ذلك مرحلة المذكرات المكتوبة:
حيث تقوم الدولة المدعى عليها (الإمارات) بتقديم مذكرة جوابية مكتوبة تتضمن ردها على إدعاءات السودان وحججها القانونية. ويحق لكلتا الدولتين تقديم مذكرات إضافية للرد على حجج الطرف الآخر وتفنيدها في هذه المرحلة الهامة من مراحل التقاضي. تلي هذه المرحلة المرحلة الشفوية: حيث تعقد المحكمة جلسات استماع علنية يحضرها وكلاء ومستشارو الطرفين لتقديم البينات والدفوع شفهياً أمام هيئة المحكمة والإجابة على أسئلة القضاة واستفساراتهم. وأخيراً تأتي مرحلة المداولات وإصدار الحكم وهي مرحلة حاسمة حيث يتداول قضاة المحكمة في القضية المعروضة عليهم سراً قبل إصدار حكمهم النهائي والعلني.
تعتبر البينات والأدلة المقدمة أثناء سير نظر أي دعوى قضائية، بما في ذلك الدعاوى أمام المحاكم الدولية، من أهم مراحل التقاضي وأكثرها حسماً في تحديد مسار القضية ونتيجتها النهائية. وفي هذه الشكوى تحديداً، يتاح أمام السودان فرصة لتقديم مجموعة متنوعة من البينات لإثبات دعواه، بحيث تتوافق هذه البينات مع القواعد العامة لقبول البينة وأهمها أن تكون ذات صلة مباشرة بالواقعة أو المسألة المراد إثباتها أو نفيها، أي يجب أن تكون البينة منتجة ومؤثرة في إظهار الحقيقة وكشفها أمام المحكمة. من أهم البينات المقبولة أمام المحاكم: البينات المباشرة:
وهي الأدلة التي تثبت الواقعة محل النزاع بشكل مباشر دون الحاجة إلى إستنتاج أو تأويل، وتشمل هذه البينات شهادات الشهود الذين عاصروا الأحداث ورأوا الوقائع بأعينهم، كما تشمل الوثائق الرسمية التي توضح صلة الإمارات بموضوع الدعوى، أو الإتصالات المسجلة التي تكشف تورطه، أو أي معروضات مادية ملموسة من أسلحة وذخائر ومركبات تحمل بيانات أو علامات تؤكد أن منشأها أو مصدرها دولة الإمارات، مما يثبت واقعة تقديم الدعم المادي لمليشيا الدعم السريع تعتبر البينات غير المباشرة (الظرفية) أيضاً من البينات المقبولة أمام القضاء الدولي. والمقصود بالبينات غير المباشرة هي تلك البينات التي لا تتناول الواقعة محل البحث بصورة مباشرة، ولكنها تجعل الواقعة محل البحث أقرب للحدوث وذلك من خلال ربطها بسلسلة من الوقائع الأخرى المترابطة والمتداخلة. وحتى تكون البينات الظرفية مقبولة، يجب أن تأتي في حلقات مترابطة ومتداخلة في سلسلة متصلة تأخذ برقاب بعضها البعض وتؤدي في النهاية إلى استنتاج منطقي وواقعي يدعم إدعاء الطرف الذي قدمها.
بهذا التعريف للبينات غير المباشرة (الظرفية)، يمكن إعتبار الكثير من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والإقليمية الموثوقة، وتقارير بعض الدول الكبرى ذات المصداقية، ومتابعات وتقارير وكالات الأنباء والصحف والدوريات العالمية المرموقة التي وثقت بشكل أو بآخر لعلاقة الإمارات بمليشيا الدعم السريع المتمردة، أدلة قوية تعضد شكوى السودان وتقدم لها دعماً قوياً أمام المحكمة. ونشير هنا لأهم هذه التقارير التي من المؤكد أنها قد تم تضمينها في مشتملات عريضة الدعوى المقدمة
تقارير الأمم المتحدة التي أشارت إلى إنتهاك الإمارات لحظر الأسلحة عن إقليم دارفور، وتقارير الولايات المتحدة التي خلصت إلى إرتكاب مليشيا الدعم السريع إبادة جماعية في الجنينة مما إستدعى فرض عقوبات على كيانات مرتبطة بها مقرها في الإمارات، وتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية التي وثقت حصول الدعم السريع على أسلحة إماراتية، وتقارير مجموعة الأزمات الدولية ووسائل الإعلام العالمية المرموقة التي كشفت عن أدلة تفصيلية حول الدعم الإماراتي للدعم السريع. تجدر الإشارة إلى أن السودان كان قد أرفق ضمن مشتملات الدعوى المقدمة ضد الإمارات طلباً باتخاذ عدة إجرآءات مؤقتة تهدف إلى منع تفاقم الوضع وحماية حقوق شعب المساليت في دارفور، وذلك بأن تأمر المحكمة دولة الإمارات بإتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع إرتكاب أعمال تدخل في نطاق “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.