مقالات
تريند

د. عصام بطران يكتب: الكرنتينة ..!!

سوداني نت:

📌 حي “الكرنتينة” من اشهر الاحياء الشعبية في أقصى جنوب مدينة جدة القديمة لم يكن قاطنيه من اهل البلد .. انما يلجأ اليه المضطرون للاختفاء من اعين السلطات الهجرية ومخالفي الاقامات النظامية .. ويشكل سكانه خليط من الجنسيات المتعددة .. كنت لا اعلم ان ذلك الحي يعد خارج نطاق السيطرة في كل شئ مخالف للفطرة السليمة .. مما جعله يحظى بسمعة سيئة ويجمع في شوارعه وازقته كل الموبقات والخبائث والرذائل .. وكنت دائما ابحث عن سر اختلاف هذا الحي عن النمط المعيشي للمجتمع السعودي بعد طفرة النفط وما صاحبها من تطور عمراني واجتماعي جعل من كل المدن والاحياء القديمة تُحف في غاية الروعة والجمال ولم اجد مبررا لذلك غير انه يحيط ب”المحجر الصحي” المخصص لحجز الزوار والحجاج والمعتمرين بعد وصولهم ميناء جدة واكمال اجراءات التطعيم وقضاء فترة العزل للمرضى المصابين بامراض وبائية مثل “الكوليرا، الحمى الصفراء، الملاريا، اليرقان … الخ” .. ولخطورة تلك الامراض لم تكن “الكرنتينة” منطقة مسموح بارتيادها لذلك استوطن حولها مجموعة من المهاجرين .. احاطوها احاطة السوار بالمعصم .. وكانت تعدهم السلطات من المجازفين بحياتهم مقابل تقديمهم خدمات الطعام والنظافة وحتى دفن الجثث للمرضى المحجورين صحيا .. ذلك الفعل الذي يهابه الجميع عدا سكان حي “الكرنتينة” ..

📌 في كثير من مدن السودان اسست المستشفيات الكبرى بمواصفات تجمع كل الخدمات العلاجية والصحية والعدلية .. اذ لايخلو مستشفى من منشأتين في غاية الاهمية، تلحقان في العادة خارج اسوار المستشفى في مكان قصي بعيدا عن غرف المرضى ذوي الامراض الاعتيادية ومنومي العمليات الجراحية اذ يمثل عنبر “الكرنتينة” و”هنقر المشرحة” اهم مكونات المستشفى ودونهما لايتم اطلاقا اعتمادها كمستشفى “رئيس” وتسجل في مصاف المراكز الصحية العلاجية او المستشفيات الريفية غير المتخصصة .. ذلك الامر يكشف عن اهمية الحجر الصحي المعروف ب”الكرنتينة” .. وكنا نسمع عند تفشي جائحة الجدري في سبعينات القرن الماضي ان فلانا قد “كرتنوه” اي تم عزله بموجب قوة القانون الذي يعرضه وذويه للمساءلة الجنائية  في حال عدم الالتزام بدخول “الكرنتينة” والاستجابة لموجهات العزل والحجر الصحي وذلك لما يسببه من مخاطر على الاخرين كانما يقصد قتلهم عمدا وتعريض حياتهم بل وحياة المجتمع المحيط به للخطر جراء انتشار العدوى بالامراض الوبائية القاتلة ..

📌 مع اختفاء عنابر “الكرنتينة” في المستشفيات وخارج المدن وتفشي جائحة “الكورونا” برزت اهمية قصوى لتخصيص مناطق للحجر الصحي والعزل خارج المدن السكنية يمكن اشغالها كمرافق خدمية في حال خلو البلاد من الامراض الوبائية مع سهولة استخدامها للعزل متى ما تطلب ذلك .. ففي الصين حينما بدا الوباء القاتل في الظهور عرضت الاجهزة الاعلامية شروع “بكين” في تشييد محجر صحي ضخم للعزل “كرنتينة” على بعد كيلومترات ليست بالقليلة خارج مدينة “ووهان” مركز انتشار المرض وذلك خلال ايام وجيزة من تصاعد وتيرته .. ولعل من اهم مواصفات الحجر الصحي بعده عن المناطق الماهولة بالسكان لتجنب انتقال العدوى خاصة ان بعض الامراض تنتقل عن طريق المخالطة واللمس وبعضها ينتقل عبر الهواء المتنفس في الفضاء الطلق .. واستغرب غاية الاستغراب ان لجان الحجر الصحي المناط بهم تحديد مناطق لاستخدامها كمحاجر صحية “كرنتينات” لعزل المشتبه في اصابتهم بعدوى “الكورونا” كان اختيارهم غير موفقا لمواقع يقع معظمها وسط المدن .. مثال لذلك المدينة الاجتماعية بالخرطوم وارض المعسكرات بسوبا وبعض المناطق السياحية والاثرية وبعض المشافي داخل الخرطوم مما يتنافى مع معايير واسس الحجر الصحي والعزل لمرضى الاوبيئة والامراض الاكثر خطورة وسريعة الانتشار .. يضاف الى ذلك ضعف التشريعات القانونية الخاصة بالزامية الحجر الصحي وبيان العقوبات المترتبة على عدم الانصياع للائحة العزل وعدم الاستجابة للكشف والفحوصات الطبية .. كلها استراتيجيات يجب ان تتبناها الدولة لسلامة الوطن ومواطنيه واشاعة الامن الصحي والاجتماعي ..

 

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (١٨)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (١٥)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!