مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: بين يدي نبي الله إبراهيم

سوداني نت:

عليك صلاة الله يا ابراهيم…
وإليك محبتي وسلامي ياخليل الله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد…
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد…
ابراهيم يا أيها الخليل،
أينما يمَّمَ البصر والفؤاد أجد لك بصمة، وحيثما رُكِز للتوحيد لواءٌ يجد الرائي من صوبك نسمة ترفرف به!…
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} سورة البقرة
انها القبلة التي ولاّنا الله إياها بُعيد تقلب وجه حفيدك محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليك في السماء!…
والقبلة دوما عاصمة، وهي الجامعة…
كم أراها تجسد سواد الحيرة العظيمة التي اكتنفتك وبصرك الشريف يتنقل في الآفاق ياابراهيم…
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}
{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}
ياااااه
يااااالهذه الحيرة العظيمة ياابراهيم؟!
وياللفطرة عندما تأتلق بياضاً لم يكتنفه ران السوء، ولم تشوبه أغبرة الحياة يا أبااسماعيل…
انها فطرة تستعصم بالحق والقيم دونما وجل من النار اذ تُلقى فيها مغلولا…
وإذا بك من الثبات واليقين بالله كما الجبال الراسيات، حين أتاك جبريل عليه السلام وأنت مصفد في نار قومك، فسألك ماذا تريد يا ابراهيم، فإذا بك تجيبه:
إن كان منك فلا، وإن كان من الله فنعم!!!
ياااااه
يالليقين بالله، وياللثبات على المبادئ عندما يلامس إيمان المرء عنان السماء!…
ثُمَّ…
لا تنفكُّ عنك مشاعر البرِّ والبنوة وأنت تخاطب الذي ربّاك آزر فتدعوه إلى الإيمان، لكأني بالدموع أراها بعين الخيال تأتلق بها عيناك وانت تخاطبه:
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}
{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}
{يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً}
{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً}
أنعم بك من إبن بار ياابراهيم، وأنعم بوجدانك المزدان بكل هذه الرِّقّةِ والنقاء أيها الأواه الحليم!…
لعمري انها ذات المشاعر التي اكتنفت قلب حفيدك محمد صلوات الله وسلامه عليه وهو يخاطب الذي ربّاه يستعطفه كي ينطق بالشهادة عند خواتيمه أملا في هدايته، لكن يشاء الله غير ذلك، ومشيئة الله قدر مقدور ياخليل الله:
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} القصص 56
فإذا بآزر يستعصم بدين قومه، وتتأبى الهداية كي تجد لها مسرب ضوء إلى فؤاده حين يقول:
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً}مريم46
ومافتئت مشاعر الرقة والبنوة والمحبة تكتنف قلبك الكبير ياابراهيم وأنت تقول:
{قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً}
{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً}
لا ورب الكعبة ياخليل الله، لن يكون عبد من عباد الله شقيٌّ بدعاء رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فكيف إن كان نبياً وخليلاً لله؟!
وبقيت تدعوه إلى الله إلى أن تملكك اليقين بأن قدر الله قد سبق إليه، فما كان منك الاّ الاحتمال لتستقبل خلال سنيّك القادمات ابتلاءات يشيب لها الولدان!…
لكن الإيمان بالله منك كان عظيما، والصبر والعزم فيك كانا موثوقان، إذ ركنت إلى ركن ركين ياخليل الله حين هتفت في الآفاق:
{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
فأنعم بها من وِجهة يانبي الله، وأنعم به من يقين ياخليل الرحمن…
وأيُّ يقين؟!!!
انه يقين مُمَحَّصٌ من الله بابتلاء عظيم في فلذة كبدك اسماعيل عليه السلام، فاجتزت الإمتحان بإيمان لك راسخ، ويقين في الله باذخ، فكان الإهداء من رب الخلائق ذِبحاً عظيماً!،
فداء تسبقه ليلة هي أم الليالي، إنها ليلة الاصطفاف على أديم عرفات الله، حشرٌ في الدنيا يحاكي يوم الحشر الأكبر الذي قال فيه جبار السماوات والاراضين:
{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لّا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}
{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا}
ياااالهيبة ذاك اليوم!
وياليوم عرفة الذي يهيئنا لذلك اليوم العظيم…
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، إنه ليدني ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء).
وعند أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً).
وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رضي الله عنه، مرفوعاً أيضاً: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة).
وتُشْرِقُ الشَّمس…
فاذا بالحجيج يهرعون الى رمي الجِمَار…
وأي جِمَار؟!
وأي قصة تكمن خلف هذه الجمار؟!
انها قصة ممهورة على صفحات كتاب الزمان بأحرف من نور!
قصة تُبْتَدَرُ بابتلاء عظيم…
إنه ابتلاء في فلذة كبدك!
انه في اسماعيل عليه السلام، اسماعيل الذي مافتئ يحكي عنه نبع زمزم بعد أن ناب الرهق أمنا هاجر جراء سعيها وهرولتها مابين الصفا والمروة بحثا عن الماء لرضيعها الوضئ.
يقف خليل الله ابراهيم مهيبا ليحكي عن ذلك فيقول:
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى…}؟!
اسماعيل سيذبح؟!!!
يا ترى ماذا تكون إجابة من يقال له ستذبح الآن؟!
إنه إمتحان عظيم عصيب رهيب!
ستموت يااسماعيل!!!
هكذا خاطبه إبليس بعد أن يئس من أبيه ليثنيه عن تحقيق الرؤيا النبوية،
لكن إسماعيل؛ النبي إبن النبي كانت إجابته إجابة الأنبياء:
{…يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
ياااااه
يااااااللطاعة في أسمى ذراها!
استلقى اسماعيل ووجهه إلى أبيه منصاعا لأمره، وإبراهيم يا أحباب ماكان قاسي القلب، كيف ذلك وهو الموصوف من رب الرحمن الرحيم انه أواه حليم!
وإذا بإبليس يلوح في مكان الجمرة الكبرى وهو يقول:
-إنه ابنك ياابراهيم!
فيوشك الخليل بأن يتراجع عن إنفاذ أمر ربه، ولكن نظرة إبنه الواثقة تحثه على الطاعة والاخبات لله…
فيأخذ سبع حصيات ويرمي بها إبليس قائلا (الله أكبر)…
ويطلب إبراهيم من إبنه إسماعيل تغيير مكان الذبح نأيا بنفسيهما عن إبليس…
فيتبعهما إبليس إلى مكان الجمرة الوسطى ويناديه يا ابراهيم إنه فلذة كبدك، فيرقّ قلب ابراهيم -الأواه الحليم- مرة أخرى، لكن نظرة إبنه الواثقة والمخبتة لله تثبت قلبه، فيرجمه ابراهيم بسبع حصيات مكبرا،
ثم يُختتم المشهد بالجمرة الصغرى بذات الذي حدث في مكان الجمرتين الكبرى والوسطى، ويرمي الخليلُ إبليسَ بحصيات سبع مكبرا.
ويتهيأ إبراهيم للذبح مهيئا مديته، وحانت منه نظرة إلى السماء وقد تملكه احساسان رهيبان؛ حُبٌّ لله يسري في دمه واهابه مركوز بيقين لا يتزعزع، ثم حزن عظيم على فلذة كبده اسماعيل، فلا يجد الاّ الصمت المهيب، حتى السحب كأنها سكنت تراقب المشهد المهيب!، فينحني إلى إبنه الراقد على ظهره ويطلب منه أن يجعل وجهه إلى الأرض كي لا تلتلقي نظراتهما…
ويمسك إبراهيم بمديته ليهوي بها على مؤخرة عنق ابنه المستسلم في ثبات لأمر الله، ويحبس الخليل أنفاسه ممسكا بمؤخرة رأس ابنه بكفه الأيسر وتله للجبين، ثم هيأ مديته ملقيا عليها نظرة أخيرة ليتيقن من قدرتها على اتمام الذبح بسرعة كي لا يتألم ابنه خلال الذبح، ويضع نصل السكين على مؤخرة عنق ابنه وشرع يكبر:
الله أكبر…
الله أكبر…
الله أكبر..
وهنا…
يتولى القرآن الكريم اتمام وصف المشهد المهيب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}
{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}
{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ}
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
وإذا بجبريل عليه السلام يشق عنان السماء يجر خلفه كبشا أقرنا أملحا ويهبط أمام نبي الله ابراهيم ويقول له:
أمسك عليك مديتك يانبي الله، لقد صدقت الرؤيا وأطعت ربك…
ياااااه
أنعم به من فداء عظيم ياخليل الله، وأنعم بك من إبن بار يااسماعيل عليك السلام…
هاهم الملايين من المسلمين يحتفون بذلك كل عيد، وإنّه لعمري لذِبح عظيم!
غمر الفرح قلب الخليل إبراهيم عليه السلام، وتمشّى في عروقه ومفاصله كلها، كيف لا وقد أنجى الله فلذة كبده من الموت، ابنه الأوحد -يومها- والذي رزقه الله به من بعد بعد بلوغه من العمر مبلغا، فما كان منه عليه السلام إلا أن مسح على رأس اسماعيل وقال:
قم يابني فقد فداك الله بذبح عظيم، فنهض إسماعيل الواثق بمعية الله، وتعانق النبيّان.
وكأنّي بالسُّحُبِ تجرجر أذيالها هنا وهناك جذلى بالفداء العظيم، وكأني ب(مِنَى) وليدة كالقمر تتخذ من ذاك الفداء الكبش عقيقة ليوم مولد بهي!
وما فتئ الفرح والحبور يتجددان كل يوم عيد نحر، ليتغشى بيوت مئات الملايين من المسلمين على مدّ الدهور والأزمان، إذ انا مأمورون بالفرح والإيساع على من نعول في هذا اليوم المجيد، قال بذلك الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من قبل قرن ونصف من الزمان…
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلام على إبراهيم في العالمين.

[email protected]

 

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٩)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٨)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!