مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: خاطرة .. في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

سوداني نت:

قبل يومين – في العاشر من ديسمبر- احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي لحقوق الإنسان، تذكرت ذلك في ثنايا تلاوتي لسورة الماعون، والحق اقول بأنني دُهشتُ حقا، بل أصابني الذهول وأنا أحاول تبين من هو المقصود في الآية الأولى من هذه السورة ذات الآيات السبع!

لنقرأ سورة الماعون

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}.

ياترى، من هو الذي يكذب بالدين؟!

يا ترى ماهي سماته؟!

كنت احسب الذي يكذب بالدين؛ المنكر لوجود الله، أو لعله الذي لايصلي جحودا بالصلاة، أو لعله الذي يقتل نفسا أو يعق والديه…

لكنني وجدت الأمر بغير كل ذلك!…

لعمري إنه (درس) عظيم في شأن حقوق الإنسان!

ينبهنا الله رحمن الدنيا والآخرة ويلفت نظرنا إلى (اليتيم) و(المسكين)!

فالذي يكذب بالدين يا أحباب هو الذي يَدُعُّ اليتيم…

أي الذي يسعى إلى قهره واذلاله…

لقد أكد لنا ربنا بأن الذي يفعل ذلك مكذب بدين الله وعاصي لأوامر الله!

تأملوا الفعل المضارع (يدُعُّ)، كأن الله يرسم صورة حية لحركة قاسية من قلب رجل متكبر متغطرس ظالم يدفع امامه بقوة وصلف انسانا فقيرا يتيما ضعيفا لا حول له ولا قوة، بالرغم من كونه صاحب حق لديه وصاحب المال الذي بين يديه!.

لقد ذكر الله اليتيم في 24 آية، منها 14 آية بصيغة الجمع (اليتامى)، و5 آيات بصيغة (اليتيم) معرفة ومفردة، و3 مرات بصيغة (يتيما) مفردة منصوبة، وآية واحدة بصيغة المثنى (يتيمين)، وذلك لبيان عظم أمر اليتيم…

وقال الله جل في علاه: {ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده}، وردت هذه الآية مرتين، مرة في سورة الانعام، ومرة في سورة الاسراء.

وقال تعالى في الآية العاشرة من سورة النساء: {إًن الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}، لنا ان نتصور انسانا تشتعل النار في بطنه نتاج أكله لمال اليتيم ظلما وهذا حاله في حياته، اما في الآخرة فسيصلى سعيرا. بالله عليكم هل هناك قانون أعدل من هذا في أمر رعاية حقوق اليتيم وامواله؟!.

وفي سورة الضحى يقول ربنا جل في علاه {فأما اليتيم فلا تقهر}، عندما نتأمل دلالة هذا النهي الإلهي (فلا تقهر) نتبين أن اليتيم لضعفه فإن  أيما اساءة اليه تثير في قلبه الحزن وقد تدفعه للبكاء، لذلك ينهى الله جل في علاه عن قهره واذلاله. وقد رُوِيَ عن ابي هريرة ان رجلا شكا الى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: (ان اردت ان يلين فامسح رأس اليتيم واطعم المسكين)، وفي الصحيح عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انا وكافل اليتيم له او لغيره كهاتين) واشار بالسبابة والوسطى، وعن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ضم يتيما فكان في نفقته وكفاه مؤنته كان له حجابا من النار يوم القيامة ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة).

وكذلك الأمر بالمسكين، فإن الذي لايحض على طعام المسكين مكذب بالدين!

والمسكين كما ورد في الحديث الصحيح ليس الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يغنيه، ولا يُفطن به فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس).

اي أن المسكين هو الذي تعنيه الآية الكريمة: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} البقرة 273

ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الشفقة والرحمة بالايتام والمساكين، بل والملاطفة والرفق بهم والإحسان إليهم، بل كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن إطعامهم من الطعام الذي لا نستسيغه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: (لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ)، وقد قال الله جل في علاه: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ} البقرة 267، وقال الله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} آل عمران 92،يعني لن تنالوا الخير الكثير وكذلك رتبة ومنزلة الأبرار حتى تنفقوا مما تحبون.

ثم يقول ربنا جل في علاه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}. يدعو الله بالويل للمصلين الذين عن صلاتهم ساهون، يا ترى من هم، وما السبب في هذا الدعاء من الله بالويل والهلاك لهم؟!

إنهم {الذين يراءون ويمنعون الماعون}…

إنهم أناس يصلون ولكنهم لا يقيمون الصلاة، الذين يؤدون حركات الصلاة ولكن أرواحهم لا تستحضر حقيقة الصلاة وحقيقة ما فيها وماتدعو اليه،  وإقامة الصلاة لا يكون إلا باستحضار حقيقتها والتماهي مع ايجابها الذي تمليه على النفس البشرية، فهؤلاء الساهون عن صلاتهم يمنعون الماعون، أي يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم وجيرانهم، يمنعون الماعون عن عباد الله، ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده، والله لا يريد من عباده شيئا لذاته سبحانه، إنما يريد الخير والصلاح للمجتمع الإنساني، يريد تكافل البشر وطهارة قلوبهم. يريد لهم حياة مليئة بالحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك.

لنتأمل الشعوب من حولها ونقارن المجتمعات المسلمة من غيرها، الحق يقال بأن روح التكافل المجتمعي لاظهر في المجتمعات المسلمة باكثر من سواها، وما ذاك إلا بسبب تعاليم هذا الدين الحنيف، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به).

بالله عليكم هل حقوق الإنسان التي أحْتُفِلَ بيومها قبل يومين؛ فيها هذا العدل الإلهي تعاملا مع هؤلاء الضعاف؟!

إنه الإسلام دين الله الخاتم يا احباب…

آمنت بالله.

[email protected]

 

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٣١)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٣٠)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

تابعنا على “أخبار قووقل”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!