مقالات
تريند

عثمان برسي يكتب: وهم رفع الدعم .. فشل فوائد الثقة المحسنة

سوداني نت:

سياسات رفع الدعم والضبط المالي والتقشف هي حزمة تمثل منهج إقتصادي يرتبط بالأفكار الاقتصادية النيوليبرالية (موجات التحرر الإقتصادي الجديدة المندلعة في السبعينيات والتي اكتسبت العمق في التسعينيات ) سيطرت على الساحة في الأربعة عقود الماضية وأهم أثر كارثي وفق الدراسات التي أعادت تقييمها حتى في بيئاتها الأصلية على ضفتي الأطلنطي كان زيادة التفاوت وعدم المساواة (ديفيد هارفي) والتي انعكست آثاره الكارثية على الناتج المحلي الإجمالي (معدل النمو)، مما حث الحكومات نفسها لوضع المزيد من الضوابط المحكمة للتعامل مع عوامل زعزعة الإستقرار الإقتصادي _المالي على مستوى الإقتصاد الكلي بإعتبار أن الدولة تحولت وظيفتها إلى رجل مطافي مهمته الأساسية إطفاء الحرائق الذي يتسبب فيه القطاع الخاص والراسمال على مستوى السياسات الداعمة في نهج الضبط المالي والتقشف المستند إلى تخفيض الإنفاق العام عبر عدة أساليب أهمها سياسات رفع الدعم لا محالة. .

نحن هنا أمام مشهد آخر كما سردنا تقوم فيه الدولة بدفع تكاليف العجوزات والاختلالات ليتشكل بذلك تراكم الدين الحكومي وهو متغير اقتصادي تابع لو دققنا وفحصنا نسبه الكبيرة نجدها تستمد جذرها وموجاتها من التراكمات التي تدفعها الدولة لإنقاذ القطاع الخاص والرأسمال عبر مبدأ it’s too big to fail ومن هنا تأتي مشكلة الدين في الموازنة. .

هذه علاقة مباشرة للارتدادات الخطية وفق معادلات الانحدار الخطي القياسي للعلاقة السببية Causality بين معدل النمو ومعدل الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي والمعادلة فيها متغير هام يدخل في تفاعلات القياسات وهذا المتغير بمثابة الجوكر في التحليل. . حتى إنه لم يتم اكتشافه عند اندلاع الأزمة المالية العالمية لكنه في النهاية أثبت خطل السوق المالي المحرر من القيود. .هذا المتغير هو( قياس الحساسية ) (Sensitivity Measurement )وصعوبته أن تقديره لمهندس السياسة الاقتصادية صعب بإعتباره يقع خارج نطاق النص الأدبي والدراسات السابقة في علم الاقتصاد بالتالي هو يتخلق مع النموذج الإقتصادي بإعتباره إستراتيجية وفق تسوية محددة ونهائية على مستوى الإقتصاد الكلي. .من هنا نتحدث عن استدامة التشوهات والاختلالات كقاعدة في الإقتصاد السوداني. .

سياسات رفع الدعم وفق هذه المعادلة هي النص المحاسبي والموازني لتسديد تكاليف الأزمة من خلال التشخيص الخاطي ومن ثم وصف العلاج الخاطي للمريض الخاطي لأنه وفق العلاقات السببية نجد أن مخرجات السياسة تزيد من اختلالات نسبة النمو لترسم منحنى هبوطي وخيم نتيجته النهائية هو الانكماش. .وهنا يجدر بمتخذ القرار المفاصلة بين الافضليات وفق مقاييس دقيقة عند إجرائه بروسيس الإقتصاد أيهما أفضل الدخول في انكماش مالي (معدل النمو )أم التعايش مع التضخم وفقاً للسلاسل الزمنية التي ستفصل في الحالة. .أيضاً هل الاهم استهداف العجز الحكومي أم نحن ندخل فترة طويلة من تكلس النمو. . إذا كسلسلة نجد أن الاقتصادات الهشة _ نحن جزء منها _ أن الدولة هي العنصر الأول والوكيل الحصري لمعدل النمو وبالتالي أي خلل في هذا المؤشر يكون خطير جداً بما يجعله يؤثر في كامل (الخلية _الجين) بما يجعلها تتصرف على نحو يجهل الجسم البيولوجي للإقتصاد المدافعة عنه (هذه هي صورة اقتصادنا اليوم في مشهد الدولار. .إنعدام السببية لانهيار الجنيه وفق معادلات قوانين الإقتصاد ).
تخفيض الإنفاق الحكومي المستند إلى سياسات رفع الدعم بتأثيره على معدل النمو الهابطة يوسع الدين الحكومي كنسبة من النمو من خلال ارتفاع التكلفة في قياس عوامل الإنتاج محققة عنصر ومبدأ الضريبة تقتل الضريبة من حيث خروج حتى القطاع الخاص المختل من دائرة الإنتاج هذا بالرغم من عدم وصوله تاريخياً لتحقيق جودة النمو وفقاً لل (Productivity ).. هنا يمكن الرجوع إلى معادلات الانحدار الخطي لمضاعفات الضريبة كنسبة من مؤشر الإيرادات. .مايمثله كونتينر التخفيض الإنفاقي العام بالإضافة إلى مبدأ الضريبة تقتل الضريبة هو المسؤول الأول عن استدامة العجز بالتالي استدامة الدين الحكومي وكسلسلة منطقية يقوم متخذ القرار المحلي (رفع الدعم)ومتخذ القرار الخارجي (المادة الرابعة )(Article IV ).. بالقيام بتشخيص خاطي فيما يتعلق بتحليل العلاقة بين معدل الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي والمستندة الى90%كمرحلة حرجة لقروض الحكومة من جهازها المصرفي وغير مسموح بها وفق معادلات صندوق النقد الدولي في تعاملها الفني مع متخذي القرار الاقتصادي المحليين في السودان والنتيجة هذه تم إثبات خطل منطقها الرياضي والاحصائي في تحليل العلاقة و(النسبة )واعتذر عنها مصممي دراساتها من الاقتصاديين العالميين والتي قادت إلى الانكماش العالمي في 2008، وفقط تم الإشارة إليها في حاشية صغيرة جدا من حواشي دراسات الصندوق بأنه خطأ في معادلات القياس الخطي لمتغيري النمو والدين.

نفس تاريخ هذه الفكرة الخطرة لرفع الدعم لكن كتطور في الجين الحامل للنظرية حيث تعدل الفايروس على نحو معقد بكثير لتأتي تحت عنوان( التقشف )( Austerity ) كتطور جيني معدل بإتجاه تقدمي في وظيفة الإنفاق الحكومي. .ولعل أزمة السيولة في العامين الأخيرين (الذعر المالي)هي ناتجة مباشرة من أزمة تكلس( النمو )الناتج المحلي الإجمالي الذي تدفقت فيها الآثار تحديداً من رفع الدعم المتتالي من 2015 وفق موجات ونتاج الخروج غير المنظم لأنظمة سعر الصرف (دولار الموازنة والدولار الجمركي )في آن معاً.

هذا التهديد الوشيك الذي بدأ منذ سنوات كخط نازل لأسفل لاتزال الآن موجاته تترى بالسياسات الأخيرة المستندة إلى التقشف المبني على سياسات رفع الدعم والانكأ أن الشروط المسبقة التي يجب توفرها لمساندة هذه السياسة انعدمت تماماً لأن النظام السابق قام بإجرائها في ظل فسحة مالية ضيقة جداً Fiscal Spaceتؤهل لتطبيقها مما يفتح الباب واسعاً أمام المتشككين وفي المقام الأول أمام متخذي القرار هل تمت التسويات اللازمة والشديدة الضرورة لوضع هذه السياسات موضع التنفيذ. . لأن القاعدة الإقتصادية المرتبطة بالاقتصاد تحدد بشكل واضح وكافي بأن ذلك يعتمد على الوصول إلى درجة محددة من درجات التعافي الاقتصادي في كل المؤشرات تتطلبها هذه الجراحة(Preconditions )..وعدم اعتمادها حتى من قبل صبية شيكاغو وقبيلة ملتون فريدمان في الأوقات الصعبة والسيئة التي يمر بها الإقتصاد (معدل نمو اقتصادنا بالسالب ) .

اختلالات التوازن الكلي وعدم المساواة (نسبة الدخل) الناتج عن هذه السياسات يضر في المقام الأول مستوى أداء استدامة النمو حتى لو كان استهداف النمو هو الغاية والهدف الأسمى للموازنة لأن هناك مايسمى بالآثار التوزيعية.

الإدعاء بأن رفع الدعم والضبط المالي في الأوقات السيئة للإقتصاد بأنه يمنح المزيد من المرونة للخروج من الأزمة يجهل مبدأ السياسة الاقتصادية الهام في مؤشر (التوقيت)(Timing Factor )وهو المتغير الأهم ويسبق في الأهمية متغير الإنفاق الحكومي هذا إذا تم وضعه في الإعتبار بمعادلة المضاعف عند اتخاذ هذه السياسات من قبل متخذ القرار. .وهذا مااعتمدت عليه معظم التجارب الامبريقية والأدلة من واقع الازمات الانكماشات الخطيرة وبذلك تعتبر سياسة رفع الدعم والضبط المالي المستندة إلى تخفيض الإنفاق الحكومي مختلة كسياسة إقتصادية في ظل أوضاع مؤشرات الإقتصاد الكلي فالتوقيت هو كل شيء في السياسة Timing Is Every Thing .بحيث القياس التوازني لمخرجات السياسة يعتمد نتيجة واحدة حتى عند متشددي صبية شيكاغو ودهاقنة النقديين وهو يجب أن تكون الفوائد الكلية للاقتصاد الوطني تفوق التكاليف الكلية المترتبة عن هذه السياسة (غير متحققة هنا بل هي عكسية ).
الأدلة التاريخية للسياسات الإقتصادية مؤخراً خاصة العقد الثاني 2010 إلى مدى 2020 تتابعت موجات رفع الدعم الحكومي مما انعكس الأثر الكارثي على الكليات الاقتصادية وفق معادلات الانحدار الخطي في التحليلات وفق علاقات السببية حيث كنتيجة انخفض معدل النمو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حتى وصلت إلى قيم سالبة محققة لفرضية (صدمة العرض ) وتكلس( الطلب الكلي) الطلب الاستهلاكي والاستثماري. . لم تقف هذه السياسات التي تعتمد إخلاء مهمة الدولة الاقتصادية بإعتبارها الوكيل الأول للنمو خاصة في الدول ذات الهشاشة الاقتصادية _وهي بإمتياز العامل الإقتصادي الأول الذي يحرك الطلب الدينامي والعرض والإستثمار العام _لم تقف آثار هذه السياسات فقط على معدل النمو بل زادت من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وهنا يمكن الإطلاع على الأرقام الكارثية للدين الحكومي وتجاوزه للمنطقة الحمراء مساوياً ومجاوزا للناتج المحلي الإجمالي من الأدلة الحديثة التي أتبعت سياسات الضبط المالي القائمة على تقليص الإنفاق المستند إلى سياسات رفع الدعم__ وهنا يثار سؤال تكتيكي مهم جداً لمناصري رفع الدعم _وهو لماذا تعتمد هذه الأدبيات المدرسية فرضية تقليل الإنفاق ولا تعتمد رفع الضريبة؟؟ ؟؟___ لأن هذه السياسات في الأساس تعمل على أضعاف الطلب الفعال الذي هو اصلا فوق الخط الصفري بقليل .

لاشك أنه وفقا لعلاقات السببية أن يؤثر النمو في حصيلة الإيرادات الكلية كنسبة هامة من المصروفات وهنا كنتيجة لامفر منها ستزيد المصروفات كنسبة من الإيرادات كتفاعل اجرائي متعاكس لارتداد سياسة رفع الدعم مما يضع ثقل الاختلالات الناتجة عنها كمخرجات للمتغيرات ووفق إجراءاتها نفسها كعوامل تراكمية لزيادة العجز الموازني وتدعيم فرص استدامته فتفشل بدلا من المهمة التي انطلقت للتصدي لها. .كنتيجة يتحقق مبدأ (العجز التوأم) ضمن مالية الحكومة مما يجعل سياسات رفع الدعم__ الكسولة المنتهية الصلاحية العلمية بإعتبار أن النظرية نفسها سلعة ولها تاريخ صلاحية وذلك مرده إلى عدم الإستجابة والتصدي للكساد الكبير من قبل المدرسة الكلاسيكية في العشرينيات وظهور الكينزية.__
مجانبة لعلم الإقتصاد بإعتباره علم إبداعي ويصادر دوره الابتكاري في خلق السياسات الذكية وتحريك الموارد، لتقوم هذه السياسات بتضييق واسعاً وتحديد النشاط الإقتصادي ضمن فرع ضعيف وهش معرفيا في الفلسفة الإقتصادية، هذا بالرغم من أن طبيعة السياسات ذات الصلة برفع الدعم وضبط أوضاع المالية في اقنومها الكبير سياسات التقشف ولدت إجماع عالمي لدى مراكز الدراسات المالية والاقتصادية بأنها تقوم على أسس ذات جذور أيديولوجية وليس على أسس الفلسفة الإقتصادية ك (برادايم) في المدارس الكبرى.

عثمان برسي
(باحث اقتصادي. . Economic Engineering )

 

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٦)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٥)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!