مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة السابعة) (رحمةُ الله بنا) 30/7

سوداني نت:

لامني بعض الأحباب على خاطرتي السابقة، قالوا بأن الخواطر طالما حملت إسم هذا الشهر الفضيل؛ حري بها أن تتزيا بثوب الرحمة وتحمل البشارات، ولا يكتنفها الحديث عن العذاب، والتذكير بأهوال النفخة الأولى.
والحق اقول بأنهم صدقوا في ذلك، وخاطرة اليوم سأجعلها بحول الله في ذلك؛ تحدثا عن رحمة الله التي وسعت كل شئ.
في الحديث الشريف الصحيح قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهو مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ).
وبالرغم ترجيح إسم (الله) بأنه الإسم الأعظم، وهو الإسم الذي تكرر 2697 مرة في القرآن، ثم ورود لفظة (اللهم) خمس مرات؛ إلا ان بعض العلماء يرون بأن إسم (الرحمن) هو الإسم الأعظم؛ بالرغم من وروده 57 مرة فقط، وبالطبع هناك أقوال أخرى للعلماء بأن إسم الله الأعظم غير ذلك من أسمائه الحسنى،ولعل السبب في قول البعض بأن إسم الرحمن هو إسم الله الأعظم؛ كونه لم يكن مطروقا لدى العرب قبل الإسلام، وإن كانوا يعرفونه، فقد انكره كُفَّارِ قريشٍ يومَ الحُديبيةِ، عندما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: “اكْتُبْ: بِسْمِ الِله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”، فقال سُهيل الممثل لكفار قريش: أَمّا (الرحمن) فواللهِ ما أدري ما هي، ولكن اكتُبْ: باسمِكَ اللهُمَّ، كما كنتَ تكتبُ، وكذلك وردت الإشارة عن ذلك في قولِه تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ الفرقان: 60.
وإن كان القاضي أبو بكر بن العربي قد قال بأنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف، واستدل على ذلك بقولهم {وما الرحمن} ولم يقولوا ومن الرحمن.
لقد قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عن رحمة الله: (إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ).
وعن قول ربنا: {وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ} فقد شبّه نبينا صلى الله عليه وسلم رحمة الله للصحابة الكرام رضوان الله عليهم بمشهدٍ حقيقيٍّ حصل أمامهم، إذ أضاعت أمٌّ ابنها الرضيع في الحرب، وبعد انتهاء الحرب أخذت تبحث عنه في القتلى والجرحى، فلما وجدته أخذته وضمّته، فسأل النبي أصحابه: (أَتَرَوْنَ هذِه المَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وَاللَّهِ وَهي تَقْدِرُ علَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا)!.
وتعدّ صفة الرحمن أبلغ من صفة الرحيم، وقد خصّ الله جل في علاه نفسه بصفة الرحمن، أما صفة الرحيم فتستخدم أيضاً في البشر؛ فيقال رجلٌ رحيم، ورحمة الله لا مثيل لها فيوصف بأنه رحمن، ورحمته شاملة للخلق جميعاً دون استثناء، وتتّسع لكل شيء، وينعم بها كل حيّ.
والرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر، إذ فيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم، فكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية، لكن قليل منا القادرون على الرحمة!.
ولعل من أبلغ المواقف التي يتبين فيها المرء سبق رحمة الله؛ غضبه جل في علاه على إبليس الملعون، إذ بعد أن نفخ الله تعالى من روحه في آدم، أمر الملائكة أن تسجد له سجود تحية وشكر وليس سجود عبادة، فأصاب إبليس حسدٌ عظيم، وامتنع عن السجود لآدم مبديا عصيانه لأمر الله تعالى عيانا جهارا، وعندما سأله الله عن عدم سجوده: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} كان رده {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} الحجر33، وقال {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، فقال له الله: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} الحجر 35،34
وفي ذلك دلالة على غضب الله عليه، لكن إذا بإبليس (الذي يعلم رحمة الله)؛ يطلب طلبا عجيبا فيقول:
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الحجر الآية 37.
وهنا لم تتأخر رحمة الله، فكان قبوله جل في علاه لرجاء ابليس (المتكبر العاصي)، فقال الله جل من قائل:
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} الحجر 37
لقد أَنْظَرَهُ الله إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم، وَهُوَ اليَوْم الذي يُنْفَخ فِيه اسرافيل عليه السلام الصُّوَر النَّفْخَة الْأُولَى، فَيصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْضَ إلا من شاء الله.
إنه الله الرحمن يا أحباب!
وكذلك من القصص التي استوقفتني فيها رحمة الله العظيمة؛ ماورد في هذا الحديث الشريف الصحيح:
عن ابن عباس رضي الله عنه ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل}، فقال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه، مخافة أن تدركه الرحمة. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الألباني: صحيح لغيره، وقد رواه أحمد وابن حبان بلفظ: إن جبريل كان يدس في فم فرعون الطين، مخافة أن يقول: لا إله إلا الله. وصحح إسناده أحمد شاكر، وحسين أسد.
إنه فرعون الذي قال لقومه (أنا ربكم الاعلي)، وهو الذي قال لهم {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} ! وهو القاسي القلب الذي قتّل الأطفال واستحيى النساء وفعل الأفاعيل، ولكن بالرغم من كل ذلك خشي جبريل عليه السلام أن تدركه رحمة الله التي يعلمها، لقد خشي أن يقبل الله توبته عندما (تفوه) بإيمانه بالله.
ما أرحمك يا ربي، وأنت القائل بأن الذي يشهد أن لا إله إلا الله – صادقا بها قلبه- دخل الجنة:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال‏:‏
‏”‏أبشروا وبشِّروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً بها دخل
الجنة‏”‏، فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم نبشر الناس فاستقبلنا عمر رضي الله عنه فرجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر‏:‏ يا رسول الله إذاً يتكل الناس، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
ومن البشارات يا أحباب أن من أتى شيئًا من المعاصي كالزنا وشرب الخمر وأكل الربا وعقوق الوالدين وغير ذلك من المعاصي، ومات على ذلك ولم يتب؛ فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له فضلًا منه وإحسانًا (من أجل توحيده وإيمانه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسلامته من الشرك)، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم يخرجه الله من النار، بعد التطهير والتمحيص ويدخله الجنة؛ لقول الله جل في علاه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} النساء 48.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يشفع يوم القيامة لكثير من العصاة من أمته الذين دخلوا النار بذنوبهم، عدة شفاعات، فيحد الله له حدًا في كل شفاعة، فيخرجهم من النار، وتشفع الملائكة والأنبياء والصالحون بعد إذنه سبحانه لهم، ويبقى في النار بقية من العصاة الذين لم تشملهم الشفاعة، فيخرجهم الله سبحانه من النار بفضله ورحمته!، ولا يبقى في النار إلا الكفار، فإنهم يخلدون فيها أبدا كما قال الله في حقهم: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} البقرة 167.
اللهم يا الله، يارحمن يارحيم، أسألك أن ترحمني ومن قرأ برحمتك، وتقبل منا الصيام والطاعة، وتجعلنا من المقبولين والمعتوقة رقابهم من النار قبل أن ينقضي شهرك الفضيل، اللهم ياغافر اغفر لنا ذنوبنا، واعف عنا وعن والدينا وذرياتنا، واكتب لنا الرضوان، اللهم فرج الكرب، ومتعنا اللهم بحواسنا وقواتنا ابدا ما احييتنا، واشملنا برحمتك التي وسعت كل شئ، إنك ياربنا ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم آمين.
[email protected]

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٧)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٦)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!