مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة الحادية والعشرون) “كنوز سورة الأنبياء” 30/21

سوداني نت:

سورة الأنبياء سورة مكية، وقد كان نزولها قبيل هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله سلم إلى المدينة، وقد ازداد الأذى بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وبصحابته الكرام رضوان الله عليهم، وقد بلغ جملة من دخل في الإسلام منهم حوالي المائتين فقط، يضاف إليهم سبعون هاجروا إلى الحبشة، ولم يكن القتال قد أذن به للمسلمين؛ وإن كان للدفاع ورد الظلم، لذلك بقي من أسلم يخشى على نفسه واسرته ومايملك من ظلم وكيد كفار قريش وكبراءها، وتبين لنبينا صلى الله عليه وسلم بأن وتيرة الدخول في الإسلام إن سارت على ماهي عليه؛ لاحتاج إلى سنوات طويلة ليصل الإسلام إلى الناس، فأصبح يدعو الله الإعانة والتدبير، علما بأنه كان قد خرج لتوه من أحزان عديدة، منها وفاة سنداه بعد الله؛ عمه وزوجه خديجة رضي الله عنها، في هذه الأجواء الحزينة، والمشحونة بالترقب والخشية على القلة الذين آمنوا؛ تنزلت سورة الأنبياء، وكم كان ابتدارها قاسيا:

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}، ولكن كان لهذه القسوة أثر يعلمه الله الخالق في نفوس المسلمين، لنعش مع ما كتبه صاحب الظلال رحمه الله، لعمري إنها تأملات تسبر غور المعاني والمباني في هذه السورة المواسية لنبينا صلى الله عليه وسلم، يقول سيد قطب رحمه الله:

والسياق في هذه السورة يمضي في أشواط أربعة:

الأول: ويبدأ بمطلع قوي الضربات، يهز القلوب هزاً، وهو يلفتها إلى الخطر القريب المحدق، وهي عنه غافلة لاهية: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون… الخ}.

ثم يهزها هزة أخرى بمشهد من مصارع الغابرين، الذين كانوا عن آيات ربهم غافلين، فعاشوا سادرين في الغي ظالمين: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين. فلمآ أحسوا بأسنآ إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا إلى مآ أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون. قالوا: يويلنآ! إنا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين}..

ثم يربط بين الحق والجد في الدعوة، والحق والجد في نظام الكون. وبين عقيدة التوحيد ونواميس الوجود. وبين وحدة الخالق المدبر ووحدة الرسالة والعقيدة. ووحدة مصدر الحياة ونهايتها ومصيرها على النحو الذي أسلفناه.

فأما الشوط الثاني فيرجع بالحديث إلى الكفار الذين يواجهون الرسول صلى الله عليه وسلم بالسخرية والاستهزاء، بينما الأمر جد وحق، وكل ما حولهم يوحي باليقطة والاهتمام. وهم يستعجلون العذاب والعذاب منهم قريب.. وهنا يعرض مشهداً من مشاهد القيامة. ويلفتهم إلى ما أصاب المستهزئين بالرسل قبلهم.

ويقرر ان ليس لهم من الله من عاصم. ويوجه قلوبهم إلى تأمل يد القدرة وهي تنقص الأرض من أطرافها، وتزوي رقعتها وتطويها، فلعل هذا أن يوقظهم من غفلتهم التي جاءتهم من طول النعمة وامتداد الرخاء..

وينتهي هذا الشوط بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيان وظيفته: {قل: إنما أنذركم بالوحي} وإلى الخطر الذي يتهددهم في غفلتهم: {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} حتى تنصب الموازين القسط وهم في غفلتهم سادرون.

ويتضمن الشوط الثالث استعراض أمة النبيين، وفيها تتجلى وحدة الرسالة والعقيدة. كما تتجلى رحمة الله بعباده الصالحين وإيحاؤه لهم وأخذ المكذبين.

أما الشوط الرابع والأخير فيعرض النهاية والمصير، في مشهد من مشاهد القيامة المثيرة: ويتضمن ختام السورة بمثل ما بدأت: إيقاعاً قوياً، وإنذاراً صريحاً، وتخليه بينهم وبين مصيرهم المحتوم.

إنتهى قول صاحب الظلال.

من يقرأ سورة الأنبياء، ويتأمَّل دُرَرَها وكنوزها؛ يجد فيها أكثر أدعية الأنبياء عليهم السلام مقترنة باستجابة الله لدعاء كل منهم على حدة!،

فلنتوقف بين يديها دعاء دعاء:

{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} الأنبياء 76

لاحظ: (فاستجبنا له)!

– {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الأنبياء 83-84

انتبه: (فاستجبنا له)!

– {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياء 87-88

تأمَّل: (فاستجبنا له)!

– {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} الأنبياء 89-90

انتبه :(فاستجبنا له)!

وبعد أن أكملت الآيات ذكر أدعية الأنبياء الكرام عليهم السلام؛ بيَّن الله جل في علاه سبب استجابته، حيث قال عن هؤلاء الأنبياء:

{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}الأنبياء 90.

إنها المسارعة بالخيرات يا أحباب، وإنه التوجه إلى الله والدعاء في الرجاء والخوف ما بين الرغبة والرهبة، ثم الخشوع والاخبات له جل في علاه في جميع الأحوال.

اللهم إنا ندعوك بكل مادعاك به أنبيائك الكرام في هذه السورة الكريمة؛ فاستجب لنا يامجيب الدعاء، ربنا إنك تعلم مافي أنفسنا؛ فاستجب لنا برحمتك، وارفع الله شأننا، وأصلح بالنا، واغننا ياغني من فيض كرمك وعميم فضلك، اللهم اعف عنا وعافنا، واعتق رقابنا ورقاب أهلينا من النار، إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.

[email protected]

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٨)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٧)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!