مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة الخامسة والعشرون) “{والليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس} التكوير 18،17” 30/25

سوداني نت:

رحم الله صاحب الظلال فقد ابدع وهو يتلمس جماليات السياق القرآني في هذه الآيات الكريمات، والظلال لاغرو كتاب أدب وتصوير فني بموازاة كونه تفسير للقرآن!، يقول رحمه الله:
{والليل إذا عسعس} أي إذا أظلم. ولكن اللفظ فيه تلك الإيحاءات كذلك. فلفظ عسعس مؤلف من مقطعين: عس. عس، وهو يوحي بجرسه بحياة في هذا الليل، وهو يعس في الظلام بيده أو برجله لا يرى! وهو إيحاء عجيب واختيار للتعبير رائع.
ومثله: {والصبح إذا تنفس}، بل هو أظهر حيوية، وأشد إيحاء.
والصبح حي يتنفس. أنفاسه النور والحياة والحركة التي تدب في كل حي، وأكاد أجزم أن اللغة العربية بكل مأثوراتها التعبيرية لا تحتوي نظيراً لهذا التعبير عن الصبح. ورؤية الفجر تكاد تشعر القلب المتفتح أنه بالفعل يتنفس! ثم يجيء هذا التعبير فيصور هذه الحقيقة التي يشعر بها القلب المتفتح.
يااااه
ما أجمل هذا الاستشفاف للجمال في هاتين الآيتين الكريمتين (على ايجازهما)!
لكأن صاحب الظلال استعار قول راحلنا إدريس جماع رحمه الله حين قال:
ماله أيقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا
ماله فى مواكب الليل يمشى ويناجى اشباحه والظلالا
هين تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الاجيالا
حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شئ جمالا.
فكم أجد نفسي في (تنفس) الصبح وصحو الحياة إقبالا على الحياة…
والصباحات حين تتنفس لها وصل بالأمواه واوكسجين الهواء…
فكم لي مع بحار الدنيا وأنهارها ودٌّ وحبٌّ مقيم!…
فالماء منه خُلقنا، وهو صنو للروح؛ إذ كلاهما يتساميان إلى عَلٍ فيتبخر الأول وتصعد الثانية إلى بارئها، ويصَّعد بخار الماء في السماء ليحيله الله سحابا، ثم يجعله ركاما، ليخرج الودق من خلاله، ثم يسوقه الى بلد ميت فيهطل مطرا ينفع الناس والغرس والحيوان…
ألا رعى الله سني عمر تعلمت خلالها السباحة في (القاش)، ثم شددتُ وثاق اجادتها في النيل بين يدي أهلنا السكوت والمحس في أقاصي شمالنا الحبيب…
والنيل فينا للتاريخ في دفق أمواهه طعمٌ ولون وعطر!…
وكم صدق سيف الدين الدسوقي رحمه اذ يقول:
عُد بي الى النيل لاتسأل عن التعب
الشوق طي ضلوعي ليس باللعب
لي في الديار ديارٌ كلما طرفت عيني
يرف ضياها في دجى هدبي
وذكريات احبائي اذا خطرت
احس بالموج فوق البحر يلعب بي
شيخ كأن وقار الكون لحيته
واخرون دماهم كونت نسبي
واصدقاء عيون فضلهم مدد
ان حدثوك حسبت الصوت صوت نبي
امي التي وهبت حرفي تالقه
تجئ رحمتها من منبع خصب
وان تغيب في درب الحياة ابي
قامت الى عبئها ايضا بعبء ابي
والناس في وطني شوق يهدهدهم
كما يهز نسيم قامة القصب
والجار يعشق للجيران من سبب
وقد يحبهم جدا بلا سبب
الناس اروع ما فيهم بساطتهم
لكن معدنهم اغلى من الذهب
عد بي الى النيل لا تسأل عن التعب
قلبي يحن حنين الاينق النجب
من كان يحمل يمثلي حب موطنه
يأبى الغياب ولو في الانجم الشهب
ثارت جراحي نيرانا يؤججها
عدو الرياح على قلبي وفي عصبي
كنا سماء تبث الخير منهمرا على البلاد
كقطر الديمة السكب
وكان موطننا عزا ومفتخرا
ما هن في عمره يوما لمغتصب
وقدوة لشعوب لا تماثلنا
في الحلم والعلم والاخلاق والادب
والكنز كان هو الانسان مكتملا
في محفل الجد لم يهرب ولم يغب
والنيل ان فاض اروتنا جداوله
وان تراجع جاد النخل بالرطب
والحب اروع ما في الكون نغزله
خيطا من الشمس او قطرا من السحب
والحنبك الفذ في الاغصان لمعته
ازرت بكل صنوف الكرم والعنب
والناس قااتهم طالت اذا هتفوا
بالشمس جيئي تعالي هاهنا اقتربي
جاءت على خجل حيرى تسائلهم
من ذا على النيل يا احباب يهتف بي
ماذا اصاب ضمير الناس في زمن
صعب كان به داء من الكلب
هذا زمان غريب كيف نعرفه
او كيف يعرفنا من زحمة الحقب
ارجع الي شباب العمر مؤتزرا
بالحب والوصل لا بالوعد في الكتب
وامسح عن القلب ما يلقاه من عنت
واغسل عن الوجه لون الحزن والغضب
فقد اعود كما قد كنت من زمن
فخر الشباب ورب الفن والأدب.
لك الرحمة والغفران ياسيف الدين الدسوقي.
فإن عوالم النيل لذات عوالم تنفس الصباحات ودفق النور ورى الانسام مشبعة بطعم الحياة المجدولة في ضفائر الأمواه…
فعندما يعسعس الليل؛ تبترد الشمس خلف مائسات النخيل، فتهز رأسها كحسناء تنفض عن شَعرها الماء فينتثر الضياء في الأكوان، فيتبين الناس الخيط الأبيض من الأسود فجرا، وتشرع الطيور تشقشق أحتفاء بالضياء.
حينها نصحو من موتتنا الصغرى لنستقبل بذوغ فجر جديد، ونودع يوما مضى من عمرنا القصير، وتترى الأيام كانسراب مسبحة في يد شيخ وقور…
لقد كنا في ليل وأتانا الصباح، وشتان مابين ضياء الفجر واضواء الكهارب إذ تحيل الدنيا في أعين البعض إلى نهارات!
وإذا بالدنا سوحٌ للرقص والمجون، وتضوع الأمكنة بعطور ذات ماركات عالمية شهيرة، وتتفتق العقلية البشرية عن خلفيات للجمال تبدو بهية، وإذا بالحياة صخب عجيب، وقد انشغلت البشرية بالصرف (ببذخ من لايخشي الفقر) على الكثير مما لايضيف للبشرية إيجابا، على (كرات) تلعب بالقدم وأخرى باليد، ودونها منشآت تنفق فيها المليارات دون اعتبار لملايين يموتون بالجوع والعطش والأمراض والجهل، وإذا بأعين المنفقين بذخا تنكر ضوء الشمس من رمد، وإذا بالفم منهم ينكر طعم الماء من سقم، وإذا بالانوف لاتجد عطر أنفاس الصباح!.
فقد غمطت الأعين قيما رأتها لاتليق بحياة عصرية، وتفلتت الأيدي على أُطُر رأتها بالية، وإذا بعجلة الزمان ودولابها يتوقف فجأة:
.
.
.
.
إنه فيروس لايكاد يُرى بالعين المجردة يصيح في الآفاق:
يااااا أيها الناس انتبهوا واقرأوا قول ربكم:
{والليل إذا عسعس}.
{والصبح إذا تنفس}.
[email protected]

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٨)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٧)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!