مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: علوم اليقين ومصابيح السالكين

سوداني نت:

المدخل إلى ذلك سورة عظيمة، وإن كانت آياتها قليلة في عددها!.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} التكاثر1-8

كثيرا مانمر على هذه السورة الكريمة مرورا عابرا دون انتباه!، إنها سورة كريمة قوامها آيات كريمات ثمانية، نعم إنها قليلة في عددها لكنها عظيمة القدر لما أودع الله فيها من تنبيه ومعرفة عظيمة!.

يبتدر الحق جل في علاه السورة بالقول {ألهاكم التكاثر}، أي ليس الأمر كما تظنون بأن الغاية من وجودكم في الدنيا (التكاثر والطمع في أن أزيد)، قد خُلقتم لغاية أسمى من ذلك، ولقد تم ضمان وهب النسل والرزق لكم:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} الشورى 49

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} هود 6

فليكن الإنشغال بقيمة وقدر كل شئ بما يليه، ثم ذكر الله (الشاهد) في السورة الكريمة، وإنه ل(علم اليقين)!، ثم مابعد علم اليقين وهو (عين اليقين)!، وهناك أيضا ذرى الأمر ومنتهاه وهو (حق اليقين)!.

وهذا لعمري مراد الميممين إلى رضوان الله والسالكين لدرب العروج إلى اليه زُلْفَى؛ عشما في نيل شرف محبته جل في علاه، ولاغرو أن محبته موجبة لعوالم رحيبة من بعد ذلك ألا وهي: (وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه).

يقول ربنا جل في علاه: {كلا لو تعلمون علم اليقين}!

فما هو اليقين ياأحباب؟!

يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:

إن اليقين هو تصديق الأمر تصديقاً مؤكداً، بحيث لا يطفو إلى الذهن لِيُناقش من جديد، بعد أن تكون قد علمته من مصادر تثق بصدق ما تَبلغك به.

انتهى قول الشعراوي.

وهناك درجتان تعلوان على ذلك هما:

(عين اليقين) و (حق اليقين).

وعن عين اليقين قال الشعراوي أيضا رحمه الله:

أما عَيْن اليقين؛ فهي التي ترى الحدث فتتيقّنه، أو هو أمر حقيقيّ يدخل إلى قلبك فَتُصدقه، وهكذا يكون لليقين مراحل: أمر تُصدِّقه تَصديقاً جازماً فلا يطفو إلى الذهن لِيُناقَش من جديد، وله مصادر عِلْم مِمَّنْ تثق بصدقه، أو: إجماع من أناس لا يجتمعون على الكذب أبداً؛ وهذا هو علم اليقين، فإنْ رأيتَ الأمر بعينيك فهذا هو حق اليقين.

انتهى قول الشيخ الشعراوي.

ويقول إبن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين:

قد مثلت المراتب الثلاثة؛ بمن أخبرك أن عنده عسلاً وأنت لا تشك في صدقه، ثم أراك إياه فازددت يقيناً، ثم ذقت منه،

فالأول: علم اليقين،

والثاني: عين اليقين،

والثالث: حق اليقين.

فعلمنا الآن بالجنة والنار: علم يقين، فإذا أزلفت الجنة في الموقف للمتقين وشاهدها الخلائق وبرزت الجحيم للغاوين وعاينها الخلائق فذلك: عين اليقين، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: فذلك حينئذ حق اليقين.

ودرجة عين اليقين نتبينها في مثال نبوي في حق إبراهيم عليه السلام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 260.

يخطئ البعض منا عندما يقرأون هذه الآية ويحسبونها تشي ب(تشكك) من نبي الله إبراهيم عليه السلام في أمر الكفر والإيمان، وكذلك في قدرة الله على الخلق، وبالأمس القريب قرأت لأحدهم في أحد القروبات وهو يبرر لتشككه في أمر عقدي بأن النبي إبراهيم قد سأل الله كيف يخلق الخلق؟!. أقول له بأن إبراهيم عليه السلام تخطى هذه المرحلة بعيدا عندما دعا الناس إلى عبادة الله تعالى الخالق الواحد القادر، وكلنا قرأ وعلم كيف تقلب وجه النبي إبراهيم عليه السلام في السماوات؛ إلى أن أيقن بالله الأحد الصمد، ولعلي أورد هنا ما كتبه الشيخ سيد قطب رحمه الله في الظلال:

“إنه تشوف لا يتعلق بوجود الإيمان وثباته وكماله واستقراره؛ وليس طلباً للبرهان أو تقوية للإيمان، إنما هو أمر آخر له مذاق آخر، إنه أمر الشوق الروحي إلى ملابسة السر الإلهي في أثناء وقوعه العملي”.

انتهى قول الشيخ سيد قطب رحمه الله.

وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:

“إن إبراهيم طلب الانتقال من الإيمان بالعلم بإحياء الله الموتى إلى رؤية تحقيقه عيانًا، فطلب بعد حصول العلم الذهني تحقيق الوجود الخارجي، فإن ذلك أبلغ في طمأنينة القلب”.

انتهى قول إبن القيم رحمه الله.

إبراهيم عليه السلام لم يشك يومًا في وجود ربه تعالى أو قدرته على إحياء الموتى، وحاشاه أن يكون كذلك فهو الحليم الأواه المنيب.

قال صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}»

رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد قال القرطبي رحمه الله في تفسيره:

“لو كان إبراهيم عليه السلام شاكًا لكنا نحن أحق به، ونحن لا نشك، فإبراهيم عليه السلام أحرى ألا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام”.

انتهى كلام القرطبي رحمه الله.

ولو كان في هذا خطأ لعاتبه الله تعالى كما عاتب آدم عليه السلام حين أكل من الشجرة، ولكن الله جل في علاه أراد أن يُطمئن قلب خليله، وللأمر وصل بابتلاء عظيم لإبراهيم عليه السلام من بعد، ألا وهو أمره بذبح فلذة كبده وابنه الأوحد – حينذاك-إسماعيل، وذلك بعد أن أتى به وبأمه هاجر عليهما السلام إلى مكة، ثم تركهما بأمر الله إلى أن بلغ إبنه أشده، لعمري انه ابتلاء لايقدر عليه إلا الذي ترقّى من (علم اليقين) إلى (عين اليقين)!.

وعلم اليقين يكون بالسمع، وعين اليقين يكون بالبصر، وحق اليقين يكون بالحواس أو بالقلب.

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن):

“المرتبة الثانية: عين اليقين هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين. فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة، ويطمئن لقطع المسافة التي بين الحبر والعيان. وعلى هذه المسافة أطلق النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الشك حيث قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ومعاذ الله أن يكون هناك شك من إبراهيم، وإنما هو عين بعد علم، وشهود بعد خبر، ومعاينة بعد سماع”. ويستمر رحمه الله في تفسير هذه المرتبة ثم يقول:

“وقد ضرب بعض العلماء للمراتب الثلاثة مثلا فقال:

إذ قال لك من تجزم بصدقه: عندي عسل أريد أن أطعمك منه فصدقته كان ذلك علم يقين، فإذا أحضره بين يديك صار ذلك عين اليقين، فإذا ذقته صار ذلك حق اليقين”.

وبهذه المعجزة الإلهية ترقى إبراهيم عليه السلام من علم اليقين إلى عين اليقين، واطمأن قلبه ورضي بالله ربّا، وهو عليه السلام مَنْ كان أمة قانتًا لله حنيفًا.

عليك سلام الله، واليك سلامي ياابراهيم، وعلى نبيي محمد صلى الله عليه وسلم وآله السلام والمحبة.

واختم بالقول بأن علوم اليقين الثلاثة تحتاج إلى أمر قبلي، ألا وهو مجاهدة النفس وتهيئتها لهذه العلوم السامية، ومما يسهم في سوق النفس وتهيئتها إلى ذلك الآتي:

1- الحرص على الطاعة، وأول ذلك أداء الصلوات الخمس في أوقاتها المفروضة.

2- أن يحرص المسلم على الطهارة بالوضوء، وإن لم يكن الوقت وقت صلاة (ما أمكنه الله)، فلله نفحات تتغشى الطاهرون دون سواهم.

3- الحرص على تلاوة القرآن، إذ القرآن يسهم في تهيئة النفس و(تليين) قناتها للطاعة:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر 23.

4- التصدق بنية تزكية النفس.

5- بر الوالدين وصلة الرحم، فكم في ذلك من فائدة!.

هذا مايحضرني الآن، وبالطبع هناك الكثير مما يعين السالك لمجاهدة نفسه ترويضها قبل الشروع في السير في مدارج السالكين.

ولابأس أن يستعين المسلم (في هذه المرحلة) بشئ من الرقائق، وهي مقولات موجزة لبعض العلماء من الجوامع الكوامل، وأنصح بمقولات إبن القيم رحمه الله، وبمقولات الشافعي رحمه الله، وكذلك بما ورد في إحياء علوم الدين (المنقح) الغزالي رحمه الله، وكذلك ماورد عن الحسن البصري رحمه الله، وهنا قمن بي ان أنبه بأن يحرص الناس عند الأخذ من الحكم العطائية لأبي عطاء الله السكندري رحمه الله، ولابأس من الأخذ ببعضها ولكن في أمر مجاهدة النفس فقط، فالرجل رحمه ممن يؤمنون بوحدة الوجود وذلك اشتطاط مردود.

وهناك بعض الشواهد والأدلة التي تشي وتبين للمسلم نجاحه في أمر مجاهدة نفسه وتهيئتها، ومن ذلك:

1-نجاعة الساعة البيولوجية في داخله، ويتبين المسلم ذلك عندما يحس بموعد الأذان الصلوات قبل رفعه بثوان، وقد يتجاوز الأمر ذلك فيشعر المسلم بقرب حدوث بعض الوقائع قبل حدوثها، وليس في الأمر علم بالغيب، فالعالم بالغيب هو الله وحده، لكنه نور يلقيه الله في قلب وجدان المسلم فيبصر به.

2- حب سماع القرآن وتلاوته، فكلما تبين المسلم في نفسه بعض الضيق من ذلك؛ فليعلم بأنه يحتاج إلى مجاهدة لنفسه أكثر.

3- الأحلام والرؤى الَمنامية تكون أوضح ويستطيع تفسيرها بنفسه دون عناء.

4- يجد نفسه أَمْيَلَ وأحب لمن ظاهرهم الخير والحرص على الطاعة، فالأرواح والقلوب في ذلك جنود مجندة كما ذكرت أمنا عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح الذي روته عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

5-الذي ينجح في مجاهدة نفسه وأطرها إلى درب الطاعة، يكون قد ترقى في سلم الإيمان، وإن حرص على عدم الإنتصار لنفسه يتبين نصر الله له في الكثير من المواقف الحياتية مع الناس:

{أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} الحج 38.

اللهم ياذي المعارج، يا أحد ياصمد، يامن لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفؤا أحد، أسألك بمنك وكرمك وقدرتك أن تصلي على نبينا وحبيبنا محمد بن عبدالله وآله، وتجعلنا من المصطفين الأخيار، وأن تهبنا رضاك وحبك في الدنيا والآخرة، وتفرج عنا الكرب وتحقق الأمنيات في رضاك، إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم آمين.

adilassoom@gmail. com

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٩)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٨)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!