آخر الليـلمقالات

بالصلاة على النبي

فصيح الأربعينيات في مصر كان هو الشاعر (بيرم التونسي).. بلغته المسعورة.
* والقصيدة الأشهر عنده كانت هي..
: (الأولى آهـ.. والثانية آهـ.. والثالثة آهـ)..
*.. والناس الموجوعون يستمعون لأنهم موجوعون يبحثون عمن يقول.. آهـ.
*.. والقصيدة الأشهر عنده كانت عن أحد أثرياء الفساد.. وفي القصيدة يقول (بيرم)..
: (أبدأ كلامي بالصلاة على النبي..
.. نبي عربي
يلعن أبوك يا بخيت)..
*.. وبخيت هو اسم الثري المفسد.. والألم عند الناس يبلغ يومئذٍ درجةً تجعل لغة مخاطبة الفساد هي هذه.. فقط.
*.. والقصيدة الأشهر عند بيرم التونسي أيام المواجع كان اسمها (المجلس البلدي).
*.. والفساد (القانوني) كان بعضه هو أن المجلس يبيع الضرائب (مقاولةً) لإحدى الشركات.. والشركة تفعل بالناس الأفاعيل للحصول على الأرباح.
* وبيرم يكتب..
: (يا بائع الفجل بالمليم واحدةً..
كم للعيال.. وكم للمجلس البلدي؟)..
* ويقول فيها..
: (حتى الرغيف إذا ما جئت آكله
فالنصف لي ونصفه للمجلس البلدي
كأن أمي = بلَّ الله تُربتها = أوصت فقالت.. أخوك المجلس البلدي..
أخشى الزواج لخوفي أن يُسابقني
إلى عروسي المجلس البلدي
وأخاف إن وهب الرحمن لي ولداً
أن يدَّعيه المجلس البلدي)..
*..
(2)
*.. وأخبار أمس تقول إن أزمة الخبز والبنزين مصنوعة.
*.. والناس يرخون آذانهم ليسمعوا أن الدولة قرشت حلقوم واحدٍ من المفسدين.
* ولا يسمعون..
*.. والناس عندها لا يبقى لهم إلا أن يبدأوا حديثهم بالصلاة على النبي.. نبي عربي….
(3)
*.. وفي مصر يستعيد الناس قصيدة بيرم هذه.. ومذيعة تلفزيون الشهر الأسبق تستضيف شيخاً أزهرياً.. وتسأله عن خبرٍ تحمله صحيفة في يدها.
* وفي الخبر.. الأزهر يُفتي بأنه = وللخروج من حرمة الخلوة بالأجنبي.. يُفتي زوجات أثرياء المجتمع ممن يستخدمن أجانب في البيوت.. بأن (يُرضعن) الأجانب هؤلاء..
*.. والشيخ الأزهري الذي يكاد يرقص يُفتي المذيعة بصحة الفتوى هذه.
*.. والمشاهدون يعرفون من أين تنبت رشاشات المجاهدين.
* الأمر يتخطى قصائد بيرم إلى شيءٍ آخر..
* وشُح البنزين والرغيف.. ثم لا أصبع يخنق حلقوم الفساد.. أمرٌ يرسمه خبرٌ صغير..
*.. وكسلا الشهر الأسبق تُوقف ما يُقارب ألفي عربة تعمل لصالح أبناء دولةٍ مجاورة.
*.. وتُوقف تهريب النفط والدقيق و….
* وبعضهم يتجارى.. والحظر يُطلق..
* بعدها بقليلٍ كانت الصفوف تمتد..
* ثم لا أحد يقول شيئاً..
*.. والناس يبدأون حديثهم مع بيرم بالصلاة على النبي.. نبي عربي.
(4)
*.. وهدم الدولة والمجتمع شيءٌ من يصنعه ليس هو التمرّد المسلح.
* هدم الدولة ما يصنعه هو حكاياتٌ مثل..
* امرأة.. مديرة مؤسسةٍ ناجحة جداً.. وشديدة الثراء.. ولامعة.. وشهيرة.. و..
* المديرة أخيراً وبعد سكوتٍ طويل تُلقي بالأوراق في الهواء.. والأوراق تتقلَّب على أمواج صرختها..
: خذوا كل شيء.. النجاح والثروة.. والشهرة.. وأعطوني زوجاً.. وطفلاً يبول في حِجري..
*.. وثريٌ يُوقف سيارته لينظر إلى عمّالٍ يتناولون الإفطار تحت عمارةٍ.
* ويقول..
: خذوا ثروتي.. وأعطوني شهيةً.. ومعدةً مثل هذه..
* ونازحٌ في سوريا يقول..
: اقطعوا يديَّ ورجليَّ وأعطوني بيتي القذر وجيراني السيئين..
* هدم المجتمع الذي لا تعرفه الدولة هو خروج الأشياء عن طبيعتها (لا زواج.. لا أرض.. لا استقرار.. لا عافية)..
*.. ولا شيءٌ يُخْرِج الأشياء عن طبيعتها مثلما يفعل الفساد.
* خصوصاً.. فساد المال من هنا.. وفساد القضاء من هنا..
* الناس ما زالوا ينتظرون أن تُعلن الدولة حزمةً من المحاكمات..
*.. والبديل إن لم تُقَم المحاكمات.. هو.. بداية الكلام بالصلاة على النبي.. نبي عربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!