مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: كُلٌّ يرى الناسَ بعينِ طبعِهِ!

سوداني نت:

المعلوم لدى أهل السُّنة أن الآية الثانية عشرة من سورة النور قد أُنزلت في شأن حديث الإفك المفترَى على أمنا عائشة بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
الذي لفتني في سياق هذه الآية الكريمة أن الله العالم بمكنونات النفس البشرية تحدث عن (ظن) حاق بالمؤمنين والمؤمنات عند سماعهم لخبر الإفك!
فما المعنى المراد هنا؟!
المعنى يكمن في الحكمة التي عنونتُ بها خاطرتي هذه وهي:
“كُلٌّ يرى الناسَ بعينِ طبعِهِ”!.
فصاحب الطبع السيء ينظر إلى الناس والأشياء دوما بعين رمداء لاترى ولاتتوقع إلاّ السوء والشر، أما صاحب الطبع الحميد فيحسن الظن مهما بدا لهم الشاهد محور الرؤية أو السماع، انظروا للخبر المتداول؛ لقد كان من السوء بمكان، إذ اتهم المنافقون كلا من السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن ابيها والصحابي صفوان بن المعطل رضي الله عنه بارتكاب الفاحشة، وللأسف فقد تشكك بعض (الصحابة) في الأمر، لكن كان الظن الأغلب عند المسلمين والمسلمات بالخير في حق أمنا عائشة رضي الله عنها، وبحمد الله أنزل الله من بعد ذلك قرأنا يبرئ ساحة أمنا عائشة رضي الله عنها، ثم ذم كل من ولغ في الأمر بسوء إلا من يتوب، وخرج المسلمون من قضية الإفك بفائدة عظيمة.
إنه سوء الظن يا أحباب، ولعمري ان كان السوس آفة الخشب فإن سوء الظن يعد سوس العلائق بين الناس، وأحسبنا ان أخذنا مقطعا عرضيا لنفس بشرية قد تملّكها سوء الظن بالآخرين لوجدناه مطابقا لمقطع عرضي لساق نخرها السوس.
فجل خلافاتنا – ان لم يكن كلها- نجد سوء الظن هو الأساس في اذكاء جذوة تلك الخلافات وما نتج عنها من فساد للود بين الناس، بل اننا ان قرأنا في قصص وأخبار الأمم والحضارات لوجدنا بصمات سوء الظن بائنة في جل الخلافات والحروب.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً”.
وقد أخرج الإمام البيهقي بسنده في شُعَب الإيمان إلى جعفر بن محمد قال:
إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذر، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه.
ودوننا قصة الفأس المسروقة،
قال الراوي: لم أعثر على فأسي، فاشتبَهت بأن ابن جاري قد سرَقه مني، فشرعت في مراقبته.
فكانت مشيته مشية نموذجية لسارق فأس.
وكان الكلام الذي ينطق به مثل كلام سارق فأس.
وتصرفاته تفضحه و كأنه سارق فأس.
فبتُّ ليلتي ساهراً حزيناً أضناني التفكير مما جرى لي مع ابن جاري.
وبصورة غير متوقعه و بينما كنت اقلّب التراب عَثرت على الفأس!
وعندما اعدت النظر الى ابن جاري؛ لم يظهر لي شيء، لا في مشيته ولا في هيأته ولا في سلوكه يوحي بأنه سارق الفأس!
ليلة امس كنت أنا أكبر سارق!
فعندما اتهمت ابن جاري ظُلماً فإنني قد سرقت أمانته و براءته.
وعندما بِتُّ في حزنٍ وأرق، سرقت يوماً من حياتي.
لكل ذلك -وغيره كثير- فقد حذّر الاسلام من سوء الظن في العديد من النصوص والمواطن، لنقرأ سويا قول الله جل وعلا في الآية 12 من سورة الحجرات:
{يَا أَيهَا الذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنَ الظن إِن بَعْضَ الظن إِثْمٌ}.
و(كَثِيرا مِنَ الظن) هنا تعني الظنون السيئة، وهي ليست في مقابلة مع قليل من الظن بكون ذلك لايتناسب مع سياق وتوجيه الآية الكريمة…
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا…”.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً”.
وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.
وأنشد قائلا:
وان ولا تعجل بلومك صاحبًا
لعل له عذرًا وأنت تلوم.
سوء الظن عمل من أعمال الشيطان الذي يجري من الأنسان مجرى الدم كما أبان المصطفى صلى الله عليه وسلم، عن السيدة صفية بنت حيي قالت: “إنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يوصلها، فمر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله وانصرفا مسرعين فناداهما، فقال لهما: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. فقالا: وهل نظن بك إلا خيرا يا رسول الله؟ قال: إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم، وخشيت أن يقذف في قلوبكما شرا”.
وللأسف فقد فشت في الناس مقولة تدعو إلى سوء الظن بالآخر وجعل ذلك أساسا لأي تعامل بشري، وقد عززت ذلك بعض الكتابات الغربية -غير المؤسسة على القيم والأخلاق- خاصة في بعض المؤلفات التي تُعنى بالإدارة، وذاك خطأ كبير تكون نتائجه سالبة، فالمطلوب الاحتراز وليس سوء الظن، وهناك اختلاف كبير بين الاحتراز وسوء الظن، وقد بيَّنه ابن قيم الجوزية في كتابه الروح قائلاً: (إن المحترز يتأهب ويستعد بأخذ الأسباب التي بها ينجو من المكروه، مثل المسافر فهو يتحرز بجهده من كل قاطع طريق، وكل مكان يتوقع منه شراً)، إذاً الاحتراز ضروري للإنسان لأخذ الحيطة والحذر من كل مكروه قد يصيبه سواء كان في السفر أو الحضر.
أما سوء الظن فيقول ابن قيم الجوزية: (فإن الظن قد يخطئ ويصيب، وهو يكون من ظلمة القلب ونوره، وطهارته ونجاسته، ولهذا أمر الله تعالى باجتناب كثيراً منه، وأَخبر أن بعضه إثم)، وقد يصيب الإنسان في ظنه مرات، ولكنه قد يخطئ أكثر، ومن ثم يندم على ظنه السيئ وتقديره الخاطئ، وقد دلت عدد من الدراسات السلوكية والنفسية بأن سوء الظن يكون دوما نتاج تزكية للنفس وتقمص لروح الأنا مع أتهام الغير بالسلب، وسوء الظن يصاحب دوما باضطرابات نفسية مؤثرة في حياة الفرد، ويرافقه شعور بالنقص الداخلي.
وقد نهانا الله عن تزكية النفس: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنةٌ فِي بُطُونِ أُمهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقَى} النجم 32. وقد ذم الله الذين يزكون أنفسهم، فقال جل في علاه: {ألَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يُزَكونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} النساء: 49.
ولا غرو أن حسن الظن نقيض كل ذلك، فهو يريح القلب ويساعد في أستقرار النفس وسلامتها، ويساهم في سلامة قرارات الأنسان وانفعالاته، وينأى به عن الكثير من مواطن الندم، وهو كذلك ملمح أكيد لسمت الشخصية الرزينة والناضجة.
ومن واقعنا السوداني نجد الذين اعتادوا على تناول المخدرات ومن ذلك (البنقو)، وكذلك المدمنون على معاقرة الخمر تجدهم دوما سيئي الظن، وبلا جدال فإن الخمر والمخدرات تؤثر سلبا على العقل، وذاك دليل دامغ بأن سوء الظن له ارتباط وثيق بتغييب العقل أو التأثير السالب عليه.
الحق أقول بأنني طوال عمري لم اندم يوما على حسن ظني -من بعد احتراز-، نعم لقد أحسنت الظن مرات ثم تبينت خطئي، لكن بحمد الله لم يكن الضرر بالماحق، بل لقد عوضني الله خيرا نتاج حسن الظن، ولقد مررت مؤخرا بتجربة سالبة كانت نتاجا لحسن ظن، ولم تزل آثارها حائقة بي إلى يومي هذا، لكنني بحمد الله اتبين كل يوم ينصرم الكثير المثير من الإفادة وآلاء الله، والحمد والشكر لله كثيرا على ذلك.
أختم لكم بهذه الخطوات التالية (المنقولة بتصرف)، فهي تساعد في تنمية أحساس حسن الظن في نفوسنا:
الأولى:
حسن الظن بالله واتقان العمل؛ يقول الحسن البصري رضي الله عنه: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأ ساء العمل).
الثانية:
تعويد النفس وتدريبها على حسن الظن؛ المعلوم أن الكثير من الصفات والملكات يمكن للمسلم تعلمها وتعويد نفسه عليها، وذلك أستئناسا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له أحد الصحابة بأنه يجد نفسه بخيلا فقال له صلى الله عليه وسلم فيما معناه عود نفسك على البذل فستكون كريما وقال له آخر بأنه جبان فدعاه لتعويد نفسه على أن يكون شجاعا… وهكذا، فمن ذلك نجد أن المرء يمكنه زرع صفة حسن الظن في نفسه وتدريبها على ذلك.
الثالثة:
التماس المعاذير للآخرين، وقد ذكرت الدليل أعلاه.
الرابعة:
عدم تزكية النفس، وقد ذكرت الدليل أعلاه.
الخامسة:
الحرص على مايكمل الايمان، فكلما سعى المسلم إلى أكمال ايمانه وتمتين عراه صفت نفسه وحسن خلقه.
أسأل الله باسمه الأعظم أن يزكّي نفوسنا، انه جل وعلا خير من زكاها، وأن يحسن طويتنا، ويجعل لنا نورا نمشي به في الناس، ان الله على ذلك قدير، آمنت بالله.
[email protected]

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٣١)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٣٠)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

تابعنا على “أخبار قووقل”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!