مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: هجرات موسى عليه السلام الثلاث، وجبل البركل

سوداني نت:

تنويه:

هذا المقال كتبته بيدي على الورق، قبل أن ألج إلى عوالم الأسافير في عام 2007، ثم استعنت بالقوقل بعد أن تيسر النت للتوسع في بعض التفاصيل الجانبية.

عنوان الحكاية:

أسرار جبل البركل وهجرات موسى عليه السلام.

لن أنس ماحييت يوم وقفتُ متشبثا بأصبع جدي ودعسوم أمام هامة جبل البركل، فشرع يقول وهو (يميل):

-جبل جدك ود الكرسني دا ياولدي جبلاً فيهو أسرارا كتييييري بالحيل،

الناظر يااحباب الى (جبل البركل) يجده ينتصب في قعر انحناء النيل العظيم (Great Bend of the Nile) فيبقى النيل يحيط به من جهات ثلاث، ولكأن هذا النهر لايطيق له فراقا!!

يقع الجبل في قعر هذه الانحناءة من الأعلى ولا يكاد يشاركه ايما جبل -على وجه هذه الكرة الأرضية- مثل هذا الموقع الفريد!

وتشاء أقدار الله أن تكون أول حضارة تنشأ في رحاب هذا الجبل قائمة على (توحيد الله)، يشهد بذلك معبد آمون الذي لم تزل أطلاله باقية أراها كلما رنوت ببصري من فوق سور بيتنا في البركل، لأوقن بأن هذا الجبل ليس ككل الجبال!…

جئت بالأطلس فوضعته أمامي، ثم اتيت بالمصحف وعكفت عليه أقرأ سورة الكهف وسورة طه، حيث (قصة موسى عليه السلام)…

قلّبت بصري بين دفتي المصحف -طوال الليل – أتصيد الآيات التي وردت في شأن موسى عليه السلام، – ثم استعرضتها من بعد ذلك بسنوات في طيات الشبكة العنكبوتية عندما تيسرت لي- آراء العديد ممن أولعوا بالسيرة العطرة من علمائنا المحققين، فاذا بي أتبين الآتي :

1-نظرة الى جغرافيا حراك حياة موسى عليه السلام تنبئنا بان حراكه قد كان في نطاق دائرة لا يتعدى قطرها الثلاثمائة كيلا (كيلومترا) على الأكثر وذلك باستصحاب القدرة البشرية وانتفاء وجود وسائط تعين على طي مسافات أكبر في ذاك الزمان بأكثر من الدواب، علما بأن فرعون وجنوده خلال الرحلة الثالثة قد ادركوا موسى عليه السلام وقومه على الشاطئ صباح الليلة التي غادروا فيها كما نصت الآيتين الكريمتين 60 و61 من سورة الشعراء

(فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ)،(فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُون)، علما بأن الفاء في الآية الأولى تفيد الترتيب والتعقيب، أي أن المتابعة قد حدثت بسرعة في الصباح، ومشرقين تعني الإشراق اي الصباح وقد وردت اللفظة في آية كريمة أخرى في شأن قوم لوط عليه السلام (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ).

2- هناك اجماع بان موسى عليه السلام قد ولد على شاطئ نهر النيل قال بذلك ابن كثير والقرطبي وصاحب الظلال ويدل على ذلك الشاهد في هذه الآية الكريمة:

(أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي).

وقبائل البجة في السودان مازالت تسمى الماء (يم) كما أفاد الأستاذ محمود كرار الباحث في اللغة البجاوية وقواعدها.

وعلينا أن نستصحب كلمة يم هذه أيضا عند حديثنا عن الرحلة الثالثة والاخيرة لنبي الله موسى، لنتبين بأن غرق فرعون وجيشه لم يكن في البحر الأحمر كما تورد عدد من التفاسير، إنما -أيضا- في نهر النيل بجامع كلمة يم هذه، وهذه هي الآيات:

*- سورة الأعراف فى قوله تعالى: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)136.

*- سورة طه في قوله تعالى:

(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)78.

*- سورة القصص في قوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) 40

*- سورة الذاريات في قوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ)40.

وكلمة اليم وردت أيضا في قصة السامري في ثنايا هذه الآية الكريمة:

قال الله جل في علاه على لسان موسي عليه السلام وهو يخاطب السامري:

(قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)، وبالتالي فإن القصة أيضا حدثت في نهر النيل بجامع كلمة (يم) في كل.

3- هناك أقوال مقدرة لعلماء الآثار بأن الحضارة الكوشية ومن بعدها النوبية في شمال السودان الحالي قد كانت أسبق من الحضارة الفرعونية في مصر الحالية بآلاف السنين!

بل تفيد تلك الأقوال بأن الأُسر الفرعونية الأولى في مصر قد كانت (سودانية) نزحت من شمال السودان لتقيم حواضر ملكها في مصر…

ولقد خلصت الي الاتي:

الدائرة التي يفترض أن يكون النبي موسى عليه السلام قد تحرك داخل اطارها يفترض أن تكون احدى هذه القواطع:

1-مصر الحالية ومن ضمنها سيناء.

2-شمال السعودية.

3-السودان الشمالي الحالي.

ولإن بدأنا بمصر وسيناء فسنجد بأن التسليم بذلك دونه الكثير من اللاّءات التي أثبتها العديد من الكُتَّاب والباحثين وعلماء الآثار وجلّهم يهود وبعضهم مسيحيون منهم (رون وايت) الذي كتب كتابا خلال الثمانينات أبان فيه بان بني اسرائيل لم يبقوا في سيناء أربعين سنة بل عبروا الى شمال السعودية وان الجبل الذي ناجى منه موسى عليه السلام ربه هو (جبل اللوز) في شمال السعودية…

ومنهم كذلك الباحث اللبناني كمال الصليبي الذي كتب كتابا أسماه (التوراة جاءت من جزيرة العرب) نفى فيه بأن يكون اليهود قد عاشوا في فلسطين أو مصر وقال بانهم عاشوا في منطقة عسير السعودية…

ومنهم أيضا المؤرخة وعالمة الآثار (الدكتورة هيلين) وهي استاذة في الجامعة الامريكية ببيروت والشهيرة بآرائها المعضدة بالبراهين بكون فلسطين أرض عربية عندما ألقت محاضرة استشهدت فيها بآراء العديد من المؤرخين (الإسرائيليين الجدد) بجامعة تل أبيب أعربوا خلالها عن شكوكهم في وجود العبرانيين التاريخي بمصر!…

القول بأن اليهود قد عاشوا في شمال السعودية الحالية أو ان جزءا من حراك موسى عليه السلام قد كان فيها قول لا يستند الى معقولية لان طبيعة المنطقة جغرافيا لا أجدها تتسق مع الشواهد المذكورة في ثنايا حراك موسى عليه السلام هلال رحلاته الثلاثة من خرق للسفينة وبناء للجدار اذ ذاك يعني بأن المنطقة يشقها نهر دائم الجريان، وعامرة بالسكان وذاك يتبين من سياق هذه الآيات الكريمات من سورة الكهف:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)60

(فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)61

(فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)62

(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)63

(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)64

(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)65

(قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)66

(قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)67

(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)68

(قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا)69

(قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)70

(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)71

(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)72

(قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)73

(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا)74

(قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا)75

(قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا)76

(فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا

فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)77

(قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)78

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)79

(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا)80

(فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)81

(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)82

ولنمر -كذلك-على الآيات الكريمات في سورة طه والتي تحكي عن مناجاة لله جل في علاه من قِبَلِ موسى عليه السلام بجوار جبل الطور وثم تفاصيل قصة لقائه بفرعون بوجود السحرة الذين اتى بهم فرعون والذين ما لبثوا أن اسلموا مع موسى، يجد المتبصر بأن القصة بسياقها هذا قد دارت علي أديم ارض يشقها نهر تحفه أشجار وتمخر عبابه سفن شراعية مملوكة لاسر بسيطة…

ولقد قُدِّر لي بأن أعيش شطرا من طفولتي في مناطق أهلنا السكوت والمحس في شمال السودان واذكر جيدا بأن الأسر هناك كانت تعتمد في معاشها على نهر النيل زراعة اوصيدا للاسماك أو تجارة مع بقية القاطنين على ضفاق هذا النهر الكريم من القبائل والاثنيات الأخرى حيث كان هناك (بصراء) عديدون يصنعون المراكب الشراعية ويبيعونها للأسر وقد بلغ بالكنوز -وهم قوم يعيشون على طول شط النيل ابتداء من جنوب مصر الى قرب مدينة دنقلا في شمال السودان-ان وصلت رحلاتهم على طول هذا النيل حتى مدينة كريمة الكائنة في ديار الشايقية جنوبا…

تلك السفن الشراعية كانت تحمل السُّكَّر والأنسجة القطنية وأواني الطعام يبتاعها الكنوز من مصر ليبادلوها بمحصول البلح مع الساكنين علي ضفاف مجري النهر في اتجاه الجنوب…

أما السحرة الذين استعان بهم فرعون فقد ورد في العهد القديم بأنهم من منطقة (ناوا) النوبية التي تقع في الوسط الشمالي للسودان!

وعن (مجمع البحرين) فللشيخ طارق السويدان وعمرو خالد رأيا يقول بأن المجمع المذكور إمّا ملتقى النيل الأزرق بالأبيض في الخرطوم أو ملتقى نهر عطبرة بالنيل شمال ذلك…

ثم ان كلمة (بحر) في اللغة العربية فتعني الماء العذب كما تعني الماء المالح ايضا…

وبالطبع هناك تفاسير للقرآن قد بينت بأن (مجمع البحرين) المذكور إنما في تركيا أو في العراق وذاك لعمري أمرٌ لا يمكل التسليم به لا عقلا ولا منطقا وذلك لبعد المسافة الجغرافية وانتفاء ملائمة سمات الحراك العام للقصة مع تفاصيل مكونات تلك البقاع طبيعة وسكانا وشواهد!…

ولعله من المفيد هنا -ولتعضيد وجهة نظري- ايراد وصف نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه لهيئة موسى عليه السلام…

فقد ورد وصف موسى وعيسى عليهما السلام في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم -أي لونه بين البياض والسواد- طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس.

وفي رواية للبخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال: وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فقال: موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال عيسى جعد مربوع…

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام رجل آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس…

وفي رواية لأحمد: فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم…

واضيف الي ذلك بان الدكتور عبدالله الطيب رحمه الله قد علّق خلال حلقة اذاعية على الآية الكريمة التي تقول:

(َواضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى) طه 22

على أن ايراد لفظة البياض هنا انما توحي جليا بأن لون بشرة موسى عليه السلام قد كانت غير بيضاء!

وكل ماسبق من وصف يؤكد بان موسى عليه السلام لهو اقرب الي ان يكون من اهل السودان وذاك هو يتسق مع ما جاء في التوراة أن موسى عليه السلام قد تزوج فتاة من(كوش) تدعى (صفورا) وكوش هذه هي المملكة الأولى التي نشأت في شمال السودان..

وذات القول قد افاد به ايضا البروف عبدالله الطيب رحمه الله.

وقد قال الحق جل في علاه في سورة طه

(وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)9

(إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)10 (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى)11 (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)12

(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)13

(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إلاأَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)14

لنتنبه الى أمر اراه من الأهمية بمكان ألا وهو لفظ ال(مقدس) الوارد في ثنايا هذه الآيات!…

فالمقدس هو في البدء اشتقاق من القدوس وهو اسم من اسماء الله الحسنى والقدوس في اللغة هو القادر على الإحياء وبذلك فان المُقدَّس لهو اشتقاق من ذات الاسم …

فعندما تطلق لفظة المقدس على وادي ما فانه بالأحرى يكون واديا يبعث الحياة أو تنبعث الحياة منه أو بسببه ،أليس كذلك؟!

فأي وادي مقدس يبعث بالحياة إن لم يكن نهرا يجري فيه الماء العذب الذي جعل الله منه كل شئ حي؟!

وهل هناك واديٍ اقدسَ من نهر النيل؟!

أما الشجرة المباركة المذكورة في الآية فأحسبها -والله حسيبها- هي ذااات الشجرة التي ما فتئت تلازم قصص الأنبياء والمخلصين من عباد الله وامائه!…

فتلك مريم عليها السلام حين انجبت عيسى عليه السلام لم تنجبته الاّ تحت شجرة نخيل ليأمرها الله جل في علاه بأن هزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا!

فالشجرة هي ذات شجرة النخيل وليست كما ذكرت العديد من التفاسير…

والوادي المقدس هو نهر النيل…

وجبل الطور لعمري هو (جبل البركل) الذي لازمه التعظيم والتقديس طوال قرون حيث مافتئت كل الحضارات التي نشأت في تلك المنطقة تحفظ له ذات المهابة حيث مافتئ مكان لتعميد وتنصيب الملوك ومركز لاتخاذ القرارات المصيرية ومنطلق للجيوش وموئل لتوحيد الله دون كل ارجاء الدنيا القديمة التي كانت تشرك بالله حينها، وهناك دليل لعل الكثير منا لم يفطن إليه وهو شظية/ثُلمة (شُرْمَةَ) من الجبل تطل على النيل ثبت انها نحتت واحيلت الى رأس أفعى عظيمة، وذاك يجعلني اربط بينها وبين عصى موسى التي احالها الله إلى ثعبان عظيم!

انه جبل البركل يااحباب…

انه جبل نحبه ويحبنا…

وفيه انشدت وقلت:

أتصدقون؟!…

ان قلتُ انّي أعشق الجبالا.

معمور بها الفؤاد خاطرا وحالا.

وكيف لا؟!…

فهاجرٌ من قبلي قد عشقت جبلين.

فأضحى عشقها لقومنا (سعيا) ودين

كذاك عشقي لا أرى لنفسي دونه فكاكا

اذ هو لجبل هنا يرنو الى جبل هناكا

صنوان في الشموخ (بركل) و(تاكا)

توزعت أمشاج أهلي بين هذا وذاكا

فالأصل يضرب في الشمال له جذورا

حيث يجري النيل يسقي زرعه والبورا

يشق صدر أرضنا السمراء في عزيمة

وينحني تأدبا في البركل الذي يلي كريمة.

وقد حوى في جوفه التاريخ والأسماك.

تاريخ قوم ذاخر بالنصر كل حراك

الماء فيه ريان بلون البُنّ أشهُرا

والموج يصطخب لسيفه قد اشهرا

ينبيك عن مخاض

بالخير حين فاض

فيرفد الجروف نبتا يانعا دونما أشواك

ثم يصفو أشهُرا

فيستحيل أزرقا

تمده السماء من اهابها بلونها نهارا

وفي المساء…

يستحيل سطحه مرآة حسن لأنجمٍ سهارا

ونخيل بالشط تهفو بجريد مائسات

يرقصن في دلال بين أيدي النسمات

أودعها الأله كل لون

سيقانها تشربت بذات لون البنّ

سبيطها يزينه الصفار

وثمرها يخضرُّ في البدار

وبعد أشهر…

ينداح صفرة

وحمرة…

ليكتسي بذات لون البنّ دونما هلاك

وفي الجوار…

ينتصب التاريخ جبلا أسمرا

له اسمان اسم جدّي والبركلا

تحرسه أسودٌ هي ليست حجرا

اللون فيه ذات لون البنّ

ومعبدٌ قد زانه التوحيد ذات يوم

بناه آمون الذي ملك الدُنا والقوم

ولننتقل إلى تفاصيل هجرات موسى عليه السلام الثلاث:

لعل استقراء الآيات الكريمات التي تحدثت عن قصة موسى عليه السلام لينبينا بثلاث رحلات قام بها موسى عليه السلام انطلاقا من جنوب مصر الحالية وكل هذه الرحلات قد حدثت -كما اسبقت-في دائرة جغرافية لا أخالها تتعدى الخمسمائة كيلا وتلك لعمري هي المسافة التي يمكن لبشر أن يجتازها -منطقاً ومعقولية وحساباً- استصحابا لحال ذاك الزمان الذي لاتتوفر فيه سبل التنقل السريعة كما هو الحال اليوم ،ولكن علينا ان نتذكر بين يدي ذلك أن احجام البشر حينها قد كان اكبر وأطول بكثير مما هو عليه الآن وذلك استصحابا للحديث الصحيح الذي قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن طول أبينا آدم عليه السلام:

روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كَانَ طُولُ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا). وفي رواية: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ)، رواه البخاري (3326) ومسلم (2841). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: (فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُص حَتَّى الآن) أَيْ أَنَّ كُلّ قَرْن يَكُون نَشَأْته فِي الطُّول أَقْصَر مِنْ الْقَرْن الَّذِي قَبْله، فَانْتَهَى تَنَاقُص الطُّول إِلَى هَذِهِ الأُمَّة وَاسْتَقَرَّ الأَمْر عَلَى ذَلِكَ.

والذراع واحدة من الأطوال الشرعية، حيث للمسلمين موازين ومكاييل وأطوال تختلف عن عصرنا الحالي. وقد ذكرها بالتفصيل الإمام الفقيه محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (1242 – 1298هـ) في كتابه “إفادة السادة العمد بتقرير معاني نظم الزبد”. ومما جاءَ حول الذراع في ملحق الموازين والمكاييل والأطوال التالي:

الذراع عند الحنفية يساوي 46.375 سنتيمتراً.

الذراع عند المالكية يساوي 53 سنتيمتراً

الذراع عند الشافعية والحنابلة يساوي 61.834 سنتيمتراً

وبعد اجراء معادلة رياضية بسيطة يتبين بان طول أدم ( 60 ذراعاً × 61.834 سنتيمتراً = 3710.04 سنتيمتراً)، وهو ما يعادل ( 37.1004 متراً). وبعبارة اخرى، يبلغ طول أدم عليه السلام حوالي سبعة وثلاثين متراً (37 متراً).

اما عرض أدم عليه السلام، فأنه (7 ذع × 61.834 سم = 432.838 سم)، وهو ما يعادل (4.32838 م). وبعبارة اخرى، يبلغ طول أدم عليه السلام حوالي أربعة أمتار.

فرحلة نبي الله موسى الأولى قد كانت بغرض البحث عن الرجل الصالح (وهو الخضر عليه السلام في أرجح الأقوال) بعد أن ظن موسى عليه السلام نفسه أعلم أهل زمانه فإذا بالله جل في علاه يوحي إليه بوجود من هو أعلم منه -جنوبا- في مكان بعينه أسماه له الله ب(مجمع البحرين)، ثم أوحى له بموقعه كما ورد في البداية والنهاية…

ولن أخوض في أمر كون هذه الرحلة كانت قبل أن يصبح موسى عليه السلام نبياً أم بعد ذلك، لكنني أُرَجِّح أنها كانت قبل أن يُنَبّأ…

والمكان الذي انطلق منه موسى عليه السلام هو -على أرجح الأقوال مدينة (طيبة) الكائنة في المنطقة النوبية من جنوب مصر بجوار وادي الملوك، حيث توجد أكبر جبّانة لدفن فراعنة مصر…

سار موسى عليه السلام بمحاذاة ضفة النيل في اتجاه الجنوب مبتدراً رحلته من مدينة طيبة، يرافقه خلالها غلامه كما ورد في صحيح البخاري وبرواية أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذُكِر بأنه النبي (يوشع بن نون) عليه السلام…

ويوشع عليه السلام هو الذي نسي الحوت على الصخرة الكائنة على الشاطئ -كما تحكي الآية الكريمة-وذلك بعد أن سار في معية موسى عليه السلام طويلا ليصلا الى مجمع البحرين واظنه في عطبرة الحالية حيث يلتقي نهر عطبرة بالنيل القادم من الخرطوم وذاك ما أراه.

وعندما وصلا مجمع البحرين يشاء الله أن لايجدا الخضر عليه السلام ولكن يشاء الله بأن ينسى يوشع بن نون عليه السلام الحوت عند الصخرة فيعودا أدراجهما وهناك يشاء الله بأن يلتقي موسى عليه السلام بالرجل الصالح (الخضر عليه السلام) ليواصلوا جميعا العودة في اتجاه الشمال سيرا على شاطئ النيل…

ويشاء الله بأن يتسبب الخضر عليه السلام في الأحداث الثلاث المذكورة في القرآن الكريم وهي:

1- خرقه للسفينة.

2- قتله للغلام.

3- بناؤه للحائط.

فيحدث الفراق بين موسى عليه السلام والعبد الصالح الخضر وذلك بعد أن كان موسى عليه السلام ينوي أخذه معه الى طيبة رغبة منه في أن يتعلم على يديه مالم يتسنّ له الاحاطة به من علوم ومعارف، ولكن الرحلة الطويلة انتهت بإعلان الخضر عليه السلام للفراق (هذا فراق بيننا) بعد أن شرح وبيّن الذي لم يستطع موسى عليه السلام الصبر عليه وتبينه من افعال مباينة للعرف السليم ومنافية-ظاهريا- للقيم العدلية التي يؤمن بها موسى عليه وعلى الخضر السلام…

ــــــ

* هناك رأي يقول بأن ملتقى البحرين هو ملتقى النيل الأبيض بالأزرق في الخرطوم وكذلك ثالث يقول بأنه كان هناك رافد للنيل جنوب مدينة دنقلا الحالية لكنني أرجّح ملتقى نهر عطبرة بالنيل لأنه اقرب الى مكان ابتدار الرحلة في طيبة عن مكان التقاء النيل الابيض بالأزرق في الخرطوم وكذلك لوجود العديد من جنادل النيل -الشلالات-التي تتوفر في رحابها الصخور استصحابا للصخرة التي نسيا فيها حوتهما…

ولنقرا هذا المنقول ولننتبه الي السطر الأخير فيه!:

جاء في تفسير القرطبي:

حَتَّى إذا َبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ

أي ملتقاهما قال قتادة: وهو بحر فارس والروم; وقاله مجاهد. قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان, فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجمع البحرين على هذا القول. وقيل: هما بحر الأردن وبحر القلزم. وقيل: مجمع البحرين عند طنجة; قال محمد بن كعب .وروي عن أبي بن كعب أنه بأفريقية.

انتهى المنقول.

وما إن افترق موسى عليه السلام عن العبد الصالح عاد أدراجه إلى قصر الفرعون في طيبة، إذ كان إلى ذاك الحين ابنا مدللا لفرعون.

الهجرة/الرحلة الثانية:

ويشاء الله أن تحدث لموسى عليه السلام قصة المصري:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)15

(قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)16

(قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ)17 (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ)18

(فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)19 القصص

ولم يلبث الاّ أن أتاه ذاك الذي يكتم ايمانه ناصحا:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)20

(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 21 القصص

وهنا لم يكن أمام موسى عليه السلام فسحة من الوقت لكي يتبين الوجهة التي يقصدها وهو يسعى للنجاة بنفسه فلا أراه عليه السلام الاّ سالكاً ذات الطريق الذي سلكه سابقاً خلال رحلته الأولى للقاء الرجل الصالح الخضر…

فالمنطق والبداهة تقول بأن الطريق السابق هو الأقرب لان ينبري في خاطره عليه السلام وهو يتهيأ خارجا من المدينة…

انطلق موسى عليه السلام بعد أن علم بأن الفرعون غاضب عليه ليتجه جنوبا محاذيا للنيل ومبتعدا بقدر الامكان عن الصحراء كي لا يهلكه العطش حتى وصل الى المكان الذي رأى فيه بنات شعيب عليه السلام تنتظران -في حياء- لحين فراغ الرجال من سقي أغنامهم فسقى لهما لينتهي به المطاف الى لقاء شعيب عليه السلام والزواج من ابنته (صفورا) التي ذكرتها التوراة…

وتنتهي مهلة السنوات التي اشترطها النبي شعيب على موسى عليهما السلام كمهر لزواجه من ابنته لينطلق موسى عليه السلام بزوجه وأبنائه عائدا يسبقه شوقه لمسقط راسه ومرتع صباه في طيبة…

تحرك موسى عليه السلام وفي معيته زوجه وامامهما نصيبه من الأنعام، وكأني به صلوات الله وسلامه عليه على صهوة جواد، ممسكا بخطام ناقة تسير خلفه وعليها زوجه على هودج يشبه مااعتاد أهلنا في بادية كردفان حمل نسائهم فيه، يغز السير بموازاة نهر النيل وفي اتجاه التيار…

ولعل المكان الذي عاش فيه شعيب عليه السلام في الصحراء التي تقع شمال شرق مدينة عطبرة الحالية، حيث توجد المراعي الشاسعة، وعطبرة منطقة تقع داخل حدود مملكة كوش القديمة…

سار موسى عليه السلام بأهله بمحاذاة الضفة الشرقية للنيل، ولعله لم يسعَ إلى اجتياز صحراء (بيوضة) من قطرها في اتجاه الشمال وذلك نأيا بنفسه وأهله من أخطارها، فمر بالمساحة التي يشغلها الآن أهلنا الجعليين، والرباطاب، واجتاز كذلك مكان مدينة أبو حمد الحالية، وتجاوزها إلى المساحة التي يشغلها الآن اهلنا المناصير، ووواصل سفره القاصد ليمر بمحاذات مدينة الكاسنجر الحالية الكائنة على بعد كيلومترات من شاطئ النيل الشرقي إلى أن يصل بأهله إلى نقطة لاتبعد كثيرا عن جبل البركل الحالي…

وهنا يشتد البرد بموسى عليه السلام واسرته، فيقرر إلقاء عصى الترحال قليلا بجوار بعض الصخور، وعندها يشاء الله أن يرى نارا بجوار جبل البركل:

(إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)7 (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)8

(يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) 9

(وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) 10

(إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)11 (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) 12 النمل

لقد كان موسي عليه السلام يتتبع ذات الطريق الذي سلكه خلال رحلته الاولي عندما اصطحب معه غلامه يوشع ابن نون للقاء -والعودة- بالعبد الصالح-الخضر-ولعلي به عليه السلام قد كان ملما بعلم الاستهداء بالنجوم خلال المسير ليلا فاذا به يتبين له بانه قد ضل طريقه وتاه وذلك لوجود انحناءة النيل العظيم

The great bend of the nile

في المنطقة التي تلي (الكاسنجر) الحالية، فحرص على السير بأهله متتبعا لمجري نهر النيل بمحازاة ضفته الشرقية جاعلا وجهته الشمال الجغرافي وهو اتجاه مدينة طيبة في مصر (وإن كانت الاتجاهات تتغير مع انحاءات النهر)….

لكنه تبين له عليه السلام عندما تفحص النجوم، أنه ضل الطريق، وذلك عندما انحرف قليلا إلي الغرب الجغرافي، إذ هو كلما تابع مجرى النهر يزداد الانحراف أكثر حتى تبين له بأنه متجه إلى الجنوب الغربي!…

ولعل هذه المنطقة-حينها- قد كانت خالية من السكان، وإلا لوجد من يدله علي الطريق، ولعلي به عندما تجاوز واهله جبل (السويقات) الحالي، واقترب من جانب جبل البركل المواجه لمدينة كريمة الحالية، توقف بأهله هناك، فاجلسهم بموازاة ظهر الجبل اتقاء لبرد الشتاء القارس، ثم تهيأ له عليه السلام بانه رأى نارا موقدة في الجانب الأيسر من الجبل بمحاذاة ضفة نهر النيل الذي لم يكن مجراه يبعد كثيرا عن جبل البركل حينها، وظل مجراه يبتعد عن الجبل على مر القرون إلى أن وصل إلى مجراه الحالي، ولعل نظرة منا إلى ما يحدث من (هَدّام) على الشاطئ الأيسر منه -دون الايمن- لينبينا بذلك (يظهر ذلك في منطقة نوري والرجيلة الحالية)…

ولعلي اعزو سبب توهان موسي وعدم تبينه للطريق الذي سبق له أن سلكه من قبل خلال رحلته الأولي الى السببين التاليين:

1- هذه المنطقة لم يستوثق موسي عليه السلام منها جيدا خلال رحلته الأولي لكونه قد كان منشغلا بالبحث عن الرجل الصالح ( الخضر) عند قدومه وفي معيته غلامه يوشع ابن نون عليه السلام…

2- عندما كان عائدا في معية الرجل الصالح لم يتبين الطريق جيدا لكونه كانا قد عادا في السفينة الشراعية التي خرقها الخضر فلامه موسي عليه السلام علي ذلك…

واستاذن موسي زوجه صفورا وانطلق إلى النار…

ولعلنا نتوقف قليلا لنقرا ماذا قال ربنا في ذلك:

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) القصص: 29 – 30.

• (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) طه:9 – 1

واليكم هذا الشرح الوافي لتوهانه الذي ذكرت ثم الحديث عن النار التي رأى وذلك من خلال هذا المنقول:

قال ابن كثير: ” فأضل الطريق، وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال، في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب، وجعل يقدح بزَنْد معه ليوري ناراً كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئاً ولا يخرج منه شرر ولا شيء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً، أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم: إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس، أي: شهاب من نار، وفي الآية الأخرى ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ وهي الجمر الذي معه لهب، {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} دل على وجود البرد، وقوله ﴿بقبس﴾ دل على وجود الظلام، وقوله ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾، أي من يهديني الطريق، دل على أنه قد تاه عن الطريق ” [3، جـ 3، 144].

وقال الطبري في – تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ – : “دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إليه، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه ” [4، جـ 16، ص 142].

•وفي سورة النمل: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل:7]. معنى تصطلون: أي تستدفئون من البرد، يقال: اصطلى يصطلي إذا استدفأ [5، جـ 13، ص 106 ؛ 6، جـ 14، ص 468]. فدل ذلك على وجود الشتاء.

وأما المكان الذي حصل فيه الوحي:

فدل عليه قوله سبحانه:﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾[طه: 12]، وأظهر الأقوال في معنى طوى أنه اسم للوادي فهو بدل من الوادي أو عطف بيان [7، جـ 4، ص 292]. وفيه أقوال أخر.[3]

•وقوله:﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[القصص:30]. قال القرطبي: ” أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة و{مِنَ الشَّجَرَةِ}بدل من قوله: {مِن شَاطِئِ الْوَادِي} بدل الاشتمال؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ، وشاطئ الوادي وشطه جانبه، والجمع شطان وشواطئ” [5، جـ 13، ص186].وقال ابن كثير: ” أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب” [3، جـ 3، ص 388].

•وقوله: ﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا﴾ [مريم:52].

قال ابن جرير: ” ونادينا موسى من ناحية الجبل، ويعني بالأيمن: يمين موسى؛ لأن الجبل لا يمين له ولا شمال، وإنما ذلك كما يقال: قام عن يمين القبلة وعن شمالها ” [4، جـ16، ص 94]. ويجوز أن يكون الأيمن من اليُمن وهو البركة [9، جـ16، ص 103].

•وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص:44].

قال ابن كثير: ” يعني ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي” [3، جـ 3، ص 392].

جاء وصف المكان في هذه الآيات بكلمات مختلفة، فذكره في الآية الأولى أنه الوادي المقدس، والمقدس هو المطهر، وطوى اسم ذلك الوادي [10، جـ 3، ص 358]. وفي الآية الثانية أنه شاطئ الوادي الأيمن من البقعة المباركة , وفي الآية الثالثة أنه جانب الطور الأيمن، وفي الآية الرابعة أنه جانب الغربي.

وقال ابن كثير في الجمع بين هذه المواضع: كان موسى في واد اسمه طوى، فكان موسى مستقبل القبلة وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب فناداه ربه بالوادي المقدس طوى” [11، جـ 1، ص 247 ؛ 12، جـ 2، ص 26].

الرابط:*http://www.alukah.net/sharia/0/19284/#ixzz3KavCkrLb

واود التوقف بين يدي ذلك لوقفتين:

1-ماهي طبيعة ووصف (الشجرة) المنصوص عليها هنا؟!

تقول الاية الكريمة:

(فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) القصص30

تخيل عزيزي القارئ شجرة تكون موئلا ومركزا للتوصيف لشاطئ لوادي وبقعة مباركة؟!

هل تراها الا شجرة سااااااامقة تبدو للرائي لشاطئٍ لوادٍ طويل وبقعة من الأرض مباركة، يا ترى هل تكون هذه الشجرة شجرة زيتون؟!

لنسأل أنفسنا ماهو أقصي إرتفاع يمكن ان تصله شجرة الزيتون؟!

هل يمكن لشجرة زيتون أن تبين من علي البعد لعين الرائي وهو يغطي ببصره شاطئا لوادي وبقعة فسيحة من الارض؟!

مالكم كيف تحكمون!

أليس هذا الوصف يكون أليق  بشجرة نخيل باااااسققة طولها يزيد فوق امتار خمس أو أكثر؟!

وأليست النخلة هي أكثر الاشجار اعتيادا للنمو علي شواطئ نهر النيل في الجزء الشمالي منه؟!

فالنخلة مافتئت مباركة من بعد ذلك، فكانت لمريم إبنة عمران موئلا لرطب جنيٍّ عندما أمرت بهز جذعها ليتساقط عليها!

ثم ماذا عن الشاطئ؟!

فالشاطئ لايكون الا لواد فيه ماء، فهل في سيناء او شمال الجزيرة العربية أنهار!

إنه شاطئ لوادي مقدس وشجرة مباركة، إنهما لعمري (نهر النيل) و(نخلة).

أعود الى موسى عليه السلام وهو شاخص ببصره تجاه شجرة النخيل وكله آذن يستمع الى خطاب ربه بإخبات الانبياء والكون من حوله في خشوع مهيب:

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ(13)

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)

فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16)

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17)

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ(18)

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19)

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌتَسْعَىٰ(20)

قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (21)

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ(22)

لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى(23)

اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (24)

فإذا بموسى عليه السلام يستأنس بكلام ربه فيجد في نفسه الشجاعة للرد ومناجاة ربه فقال:

قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)

وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(26)

وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي(27)

يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)

وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29)

هَارُونَ أَخِي (30)

اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)

وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32)

كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)

وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)

إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35)

قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36)

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)

ولعلي اقول بأنني ارجِّح بأن (عقدة اللسان) التي تحدث عنها موسى عليه السلام ليست بتأثير الجمرة التي قال المفسرون بأنها قد أحرقت طرف لسانه عندما كان طفلا فأصابته بعقدة أثرت سلبا على قدرته في الحديث والخطابة انما أراها نتاج نشأته عليه السلام في قصر فرعون بينما نشأ اخوه هارون إلى الجنوب في أقصى شمال السودان واتقن اللغة العبرانية ح السائدة في تلك الديار، وبذلك فإن الحوجة هنا إلى الذي يتقنها، وأخاه هارون أقدر منه على ذلك لنشأته وترعرعه في مكان مولد موسى بين يدي الأسرة بينما  نشأ موسى عليه السلام في القصر وتعلم لغة اخرى هي لغة البلاط الملكي وهي تختلف عن  اللغة العبرية التي يبدو أنها كانت شائعة كلغة شعبية في منطقة طيبة وبالطبع موسى عليه السلام يرغب في مخاطبة العامة عندما يحاجج فرعون كي يستميلهم إلى دينه…

وما إن فرغ موسى عليه السلام عن خطاب ربه تحت سفح جبل البركل، إلا وانطلق وبشر زوجه ثم سارا في اتجاه الشمال الجغرافي محاذيين لذات الضفة الشرقية للنيل ليمرا على المنطقة التي يعيش فيها الآن الشايقية والبديرية الدهمشية ثم الدناقلة والمحس والسكوت و،قد كانت حينها (كوشية)، إلى ان يصل بزوجه وابنائه واغنامه الى موضع بيت أمه وأبيه حيث يعيش هارون، ولعل المكان قد كان في جنوب مدينة وادي حلفا القديمة الحالية، فجلس النبي موسى الى أخيه هارون النبي عليما السلام فتحادثا في شأن فرعون وترك زوجه وابناءه هناك ثم انطلقا شمالا إلى أن وصلا الى تخوم مدينة طيبة مكان قصر الفرعون، ولندع الآيات الكريمات تحكي عن تتمة الرحلة الثانية وتفاصيل لقاء فرعون:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)

قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)

قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)

إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)

قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)

قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)

كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)

فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)

فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)

قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)

قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)

فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)

قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)

قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)

وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يفلح الساحر حيث أتى)69

(يتبع ان شاء الله)

[email protected]

 

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٩)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٨)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!