مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة الأولى) 30/1

سوداني نت:

كم أجد نفسي وقافا بين يدي هذه الآية الكريمة:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} 26 الأعراف
مافتئ العُرِيُ منبوذاً في كل الأديان منذ أن غوى الشيطانُ أبانا آدم وأمنا حواء، فأنزل ربنا جل في علاه في ذلك قرآنا يُتلى، فقال جل في علاه:
{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} الاعراف 27
لكم سألت نفسي ماذا كانا يلبسان عليهما السلام قبل أن يغويهما ابليس ويأكلا من الشجرة (نبتا كانت، أم غير ذلك مما قيل عن كنهها)؟!
ثم تساءلت ذات التساؤل- أيضا- عن حال بني آدم عندما يقومون لرب العالمين؟!.
فقد ورد في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ حفاةً عراة غُرْلاً)!.
فهل ل (لباس التقوى) علاقة بكل ذلك؟!
قال عكرمة رضي الله عنه، لباس التقوى هو مايلبسه المتّقون يوم القيامة، وقيل بأن لباس التقوى هو الإيمان، وقيل هو العمل الصالح، وقيل غير ذلك.
وإذا بي انقّب فأجد هذه القصة التي احسبها لها وصل ب(أصل) الأمر:
قيل بأن فرعون عندما خرج يوما في قومه، إذا بصبي غر أشار إليه ضاحكا وقال:
انظروا للملك العاري!.
فالمعلوم يقينا بأن قصة اغواء إبليس لأبينا وأمنا، وأكلهما من الشجرة المحرمة، وانكشاف سوءاتهما مذكورة في كل الكتب السماوية، وكذلك في آثار النبوّات جميعها، ولعل القصة انسربت بعد ذلك إلى مصرور وثقافات الأمم الوثنية، فما كان من فرعون إلا وأستصحب ذلك عندما خرج عاريا إلى رعيته الذين اعتاد استخفافهم، واعتادوا طاعته!.
وكذلك فإن كفار قريش ما كانوا يطوفون بالبيت الحرام إلاّ عُراة!، وعندما قدم المسلمون إلى مكة المكرمة فاتحين، وطافوا بالبيت (بلباس الإحرام) امتثالاً لأمر الله عز وجل في قوله:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 31 الأعراف.
ماكان من كفار قريش إلاّ استنكار ذلك، إذ قد وقر في نفوسهم الطواف عراة نتاج تلبيس الشيطان.
ولعلي بين يدي ذلك أحكي هذه القصة التي عايشتها في منطقة (قوقريال) في دولة جنوب السودان، فقد قدّر لي بأن أعيش بعضا من سني طفولتي هناك حيث كان الوالد رحمه الله يعمل (مساعدا طبيا) هناك، وكان في معيته مُمَرِّضٌ من أبناء الدينكا إسمه اوقستينو، بالرغم من كونه متعلم ومثقف ويتحدث عربي جوبا وكذلك الإنجليزية بطلاقة، إلا إننا عندما زرناه في قريته في أطراف الغابة، وجدناه وكل أهله عراة كما ولدتهم أمهاتهم، فسأله الوالد عن ذلك فأجابه بأن الأصل في إبن آدم هو العري!، وأضاف قائلا بأن آدم لم يأخذ من اوراق الأشجار ويستتر بها إلا بعد عصيانه لربه! ولم تُجْدِ جهود الوالد رحمه الله في إقناع اوقستينو وأهله بأن المتسبب في كل ذلك هو الشيطان!
وهكذا ظل الشيطان يسعى لنزع لباس بني آدم منذ الأزل، ليريهم سوءاتهم فتنة لهم!.
قال لي جدي محمد الحسن حاجنور (والد أمي) رحمه الله، وهو الذي اعتاد معالجة الممسوسين:
إن الشيطان لا يمس إبن آدم إلا إذا وجده عاريا!، فكان رحمه الله يأمرنا -ونحن صبية- بأن نستر عوراتنا، وكان لايتهاون في ذلك أبدا، وكان يأمرنا بأن نُحْكِمَ إغلاق باب غرفة النوم، وكذلك باب الحمّام/المرحاض ولاندعه مواربا، وإذا بي أجد ذلك في ثنايا السنّة الشريفة لاحقا إذ قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(أجيفوا الأبواب، واذكروا اسم الله عليها، فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه).
رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان والحاكم والألباني.
وبذلك فإن المسلم عليه أن ينأى بنفسه عن العُرِي ما أستطاع الى ذلك سبيلا، كي لايدع للشيطان مدخلا، ولنا في ذي النورين عثمان إبن عفان رضي الله عنه أسوة حسنة وهو الذي وصل به الأمر بأن تستحي منه الملائكة!، وقد ورد عنه عدم تهاونه في كشف عورته -حتى- وهو يغتسل!
وقد حكي لي الخال أحمد محجوب حاجنور رحمه عن ساحر نايجيري أعلن توبته عن السحر، التقاه عندما كان محاضرا في جامعة كانو النايجيرية، بأن الجِنّي/ الشيطان إن قَبِلَ بالسُّخرة لابن آدم، فإنه يشترط عليه بأن يتعرى أمامه كلما التقاه!.
والتعري ليس بالضرورة ان يكون الملموس الذي نعلمه، إنّما يكون (محسوسا) أيضا!.
والإثم كذلك له ظاهره وله أيضا باطنه! يقول الله جل في علاه:
{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} الأنعام 120
فقد يسترسل المرء منّا بخياله، ويتذكر مشهدَ عُريٍ أو قد تعرض له معصيةٍ اقترفها تحيدُ به عن الاستغراق في الطاعة والإخبات لله خلال صلاته او حين استغراقه في تلاوة القرآن، أو -حتى- في ثنايا تفكُّرٌ في ملكوت الله حين هدأة ووحدة، ذاك التخيل (العاري) ينأى بالوجدان من ان يرقى في مدارج العروج الروحي إلى الله!
فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:
(قال الله تعالى” من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته).
وحريٌّ بالمؤمن أن يحرص أيما حرص على الخشوع، وبقلب حاضر حين صلاته وادائه لتلك النوافل، صدعا بقول الله جل في علاه:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} المؤمنون 2،1
ولنأطر أنفسنا أطرأ إلى تذكّر الصور الوضيئة في ثنايا ذكريات تعزّز فينا التقوى وتعلي من شأن الإيمان في النفس كلما اسلمنا انفسنا لله، فذاك يؤدي تلقائيا إلى مسح كل ذكرى فيها عري ملموس أو محسوس في وجداننا مما يزيد من وضائة وجداننا وخواطرنا وطهرها.
وهنا حري بنا أن نقف هنيهة بين يدي انبياء الله ورسله عليهم السلام وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام، وقد عُهِدَ عنهم جميعهم بأنهم ركنوا إلى (خلوات) قبيل أن يُبعثوا، فامضوا خلالها من الوقت الكثير، تفكّرا في ملكوت الله، وترويضا للخيال في مدارج العروج الروحي إلى الله في عليائه، وكذلك كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم في غار حراء، إلى جاءه جبرائل عليه السلام.
والأمر قد انسرب كذلك -حتى- إلى ثقافات لاوصل لها بدين سماوي ك(رياضة اليوجا) لدى البوذيين وسواهم.
اللهم ألبسنا لباس التقوى جسدا، وفكرا، وروحا، وكذلك يوم نقوم إليك يوم البعث والنشور، إنك ياربي وليُّ ذلك والقادر عليه.
[email protected]

إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢٦)

إضغط هنا للمحاولة في بقية مجموعات الواتساب من (١) حتى (٢٥)

إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!