مقالات
تريند

عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة الثانية والعشرون) (لكل من يخاف عَيْلَة) 30/22

سوداني نت:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْـمَسْجِدَ الْـحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إن شَاءَ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة 28.

العَيْلَةُ هي الفقرُ والحاجة.

لقد نزلت هذه الآية في العام التاسع من الهجرة، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما حين نزول هذه الآية وأمره أن ينادي في المشركين بأن لا حج لهم بعد عامهم هذا الا بعد إسلامهم، وقد كانوا يحجون من قبل وهم على شركهم، وكانوا يطوفون بالبيت عرايا.

والأمر كان على سبيل تثبيت حقيقة الحج وإعادة التعامل الصحيح مع البيت الحرام كما كان الحال في الشريعة الإبراهيمية، فقد انحرف أسلوب حج الناس مع تقادم العهود والقرون عن مراد الله من الحج لما خالط شعائر الحج من شركيات.

ورد عن إبن عباس في قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} ، قال: لما نَفَى الله المشركين عن المسجد الحرام، ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن، قال: من أين تأكلون وقد نُفِيَ المشركون وانقطعت عنكم العيرُ! وقد قال الله:

{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء}، فأمرهم الله بقتال أهل الكتاب، وأغناهم من فضله.

وعن عكرمة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ومعهم الطعام، وَيتَّجِرون فيه، فلما نُهُوا أن يأتوا البيت قال المسلمون: من أين لنا طعام؟ فأنـزل الله: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء} ، فأنـزل عليهم المطر، وكثر خيرهم، حتى ذهب عنهم المشركون.

ونجاسة المشركين المذكورة هنا ليست حسية جسدية، إنما هي معنوية فكرية، والدليل على ذلك أن الله أباح للمسلمين طعام الذين أُوتوا الكتاب وفيهم الشرك، وأباح كذلك المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهن، وبذلك فإن الإسلام يقدّم الفكر والإعتقاد ويجعل من ذلك أولوية للتحاكم، ولذلك قال جل في علاه:

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} النساء 48.

فالشرك يرتهن بالفكر والاعتقاد، وبالتالي فكل من يعتنق فكرا ومنهجا مخالفا لمنهج الإسلام ويَقِر في قلبه ووجدانه يكون مباينا للإسلام، فالشيوعي الذي ينكر الركن الثالث من الإسلام وهي الزكاة فإن مباينته (فكرية) وعقدية، ودوننا ما فعله الخليفة الراشد أبي بكر الصديق مع مانعي الزكاة (جحودا):

عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: علام تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها».

فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقا، وفي رواية: عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.

وقد قال الله تعالى: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} التوبة 5.

وثبت في الصحيحين: « بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».

وحري بنا أن نسأل:

ماهي نتيجة التزام المسلمين في مكة وتنفيذهم لمراد الله في الآية التي أمرت بمنع المشركين من الحج والقدوم إلى بيت الله الحرام، وقد ختمها ربنا بقوله {فسوف يغنيكم الله من فضله} ؟:

قال صاحب الكشاف:

قوله {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} أى: من عطائه، أو من تفضله بوجه آخر، فأرسل عليهم السماء مدرارا، فأغزر بها خيرهم، وأكثر مسيرهم. وأسلم أهل تبالة وجرس فحملوا إلى مكة الطعام وما يعاش به فكان أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته.

والتقييد بالمشيئة فى قوله: {إِن شَآءَ} ليس للتردد، بل هو لتعليم المؤمنين رعاية الأدب مع الله تعالى كما فى قوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ}، ولبيان أن هذا الاغناء بإرادته سبحانه وحده، فعليهم أن يجعلوا اعتمادهم عليه، وتضرعهم إليه لا إلى غيره، وللتنبيه على أن عطاءه سبحانه لهم هو من باب التفضل لا الوجوب، لأنه لو كان واجبا مع قيده بالمشيئة.

ولما كانت مشيئته سبحانه تجرى حسب مقتضى علمه وحكمته، فقد ختم الآية بقوله: {إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

أى: إن الله عليم بأحوالكم ومصالحكم، وبما يكون عليه أمر حاضركم ومستقبلكم حكيم فيما شرعه لكم. فاستجيبوا له لتنالوا السعادة فى دنياكم وآخرتكم.

أختم وأقول:

ليتنا نوقن بالإسلام فكرا وقناعات ومنهج، وليتنا نستجيب لأوامر الله موحدين له كإله ورب (توحيد الألوهية والربوبية)، ليس لأنفسنا كأفراد فقط إنما كذلك كدول، وبيقين راسخ بأن قول ربنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

اللهم أجعلني ومن قرأ من المخبتين إليك، وصرّف قلوبنا على طاعتك، وثبّتنا على دينك الذي ارتضيت، وأجعل قلوبنا عامرة  بالإيمان بك وبنبيك إلى أن نلقاك.

اللهم آمين

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!